هل تعلم أن شأن الدعاءِ عظيمٌ؟
هل تعلم أن شأن الدعاءِ عظيمٌ؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمين، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَن، والصَّلاةُ والسَّلامُ الأتمانِ الأكْمَلانِ عَلَى سَيِّدِنَا محمَّدٍ وَعَلَى ءالِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَيِّبِينَ الطَّاهِرِين. أما بعدُ فإنَّ الدعاءَ نعمةٌ كبرى، ومِنحةٌ جُلَّى، جادَ بها ربُّنا جلَّ وعلا حيثُ أمرنا بالدعاءِ، ووعدَنا بالإجابةِ والإثابةِ
فشأنُ الدعاءِ عظيمٌ، ونفعُهُ عَمِيمٌ ومنـزلتُهُ عاليةٌ في الدينِ، ولهُ فضائلُ عديدةٌ وثمراتٌ جليلةٌ فما اسْتُجْلِبَتِ النِّعَمُ بمثلِهِ، ولا استُدْفِعَتِ النِّقَمُ بمثلِهِ، ذلكَ أنَّهُ يَتضمَّنُ توحيدَ اللهِ وإفرادَهُ بالعبادةِ دونَ مَنْ سِواهُ لأنَّ العبدَ عندما يَدعو اللهَ تعالى راغبًا إليهِ حيثُ إنَّهُ خالقُ المنفعةِ والمضَرَّةِ فقد تذلَّلَ لهُ غايةَ التذلُّلِ. فما أشدَّ حاجتَنا إلى الدعاءِ، بل ما أعظمَ ضرورتَنا إليهِ.
لقد خلقَنا اللهُ تباركَ وتعالى لهدفٍ عظيمٍ وأمرٍ جسيمٍ، ألا وهو تحقيقُ العبوديةِ لهُ سبحانَهُ، يقولُ اللهُ تعالى:"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦" "سورة الذاريات". معناهُ إلا لآمُرَهُم بعبادَتي. فمَن الذي خلقَكُم غيرُ اللهِ؟! ومَنْ الذي رزقَكُمْ غيرُ اللهِ؟! ومَنْ الذي يَكْلَؤُكُم – يَحْرُسُكُمْ ويَحْفَظُكُمْ - بالليلِ والنهارِ غيرُ اللهِ؟! فاللهُ هو الذي يُقْصَدُ عندَ الشّدَّةِ بـجَميعِ أنْواعِها ولا يَـجْتَلِبُ بخَلْقِه نَفْعًا منهم لِنَفْسِه ولا يَدْفَعُ ضررًا بهِم عَنْ نَفْسِهِ فَهُمْ لا يَنْفَعُونَهُ ولا يَضُرُّونَهُ.
وللدعاءِ فضائلُ عَظِيمةٌ وثَمراتٌ جَليلةٌ فمِنْ ذلكَ أنَّ الدعاءَ طاعةٌ للهِ تعالى وامتثالٌ لأمرِهِ عَزَّ وجَلَّ، فقد أمرَ بذلك عبادَهُ بأنْ يَدْعُوهُ ويَطْلُبوا منهُ حوائِجَهم ويَسْأَلُوهُ مقاصِدَهم، وَوَعَدَهُم أنْ يُجِيبَهُم ويُعْطِيَهُم سُؤْلَهُم ويَدْفَعَ عنهُم ما يَضُرُّهم، قالَ اللهُ تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" "سُورَةَ غَافِر/٦٠". وقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"الدعاءُ هُوَ العبادةُ" بمعنى ما يُتَقَرَّبُ بِهِ إلى اللهِ، لأنَّ الصلاةَ التي هي أفضلُ ما يُتَقَرَّبُ بِهِ إلى اللهِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولِهِ مُشْتَمِلَةٌ على الدعاءِ. ثم قَرَأَ:"وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم" "سُورَةَ غَافِر/٦٠" رواهُ ابنُ حبانَ وغيرُهُ. والدعاءُ سببٌ عظيمٌ لانشراحِ الصدرِ وتفريجِ الهمومِ وزوالِ الغمومِ وتيسيرِ الأُمورِ، فقد دخَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجدَ ذاتَ يومٍ فرأى فيهِ رجلا مِنَ الأنصارِ يُقالُ لَهُ: أبو أُمامةَ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "ما لي أَراكَ جالِسًا في المسجدِ في غيرِ وقتِ الصلاةِ؟" قالَ: همومٌ لزمتني وديونٌ أثقلتني يا رسولَ اللهِ، فقالَ: "أفلا أُعَلِّمُكَ كلامًا إذا قُلْتَهُ أذهبَ اللهُ همَّكَ وقضى دَيْنَكَ؟" قُلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ، قالَ: قُلْ إذا أَصْبَحْتَ وإذا أَمْسَيْتَ: اللهُمَّ إِنّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، وأَعوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، وأَعوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخْلِ، وأَعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّينِ وقَهرِالرجالِ"، قالَ: ففعلتُ ذلكَ فأذهَبَ اللهُ همِّي وغَمِّي وقَضَى دينِي. رواهُ أبو داودَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي ءَاخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.