سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات رمضان خير الشهور - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلمُ أنَّ مَنْ فَطَّرَ صائمًا كانَ لهُ مِثلُ أجرهِ؟


هل تعلمُ أنَّ مَنْ فَطَّرَ صائمًا كانَ لهُ مِثلُ أجرهِ؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ وعلى ءالِهِ وصحبهِ الطيبينَ الطاهرينَ.
أما بعدُ فإنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى على عبادهِ المؤمنينَ أنْ شرعَ لهمُ التعاونَ على البرِّ والتقوى، قالَ تعالى: ﴿وتعاونوا على البرِّ والتقوى﴾ الآيةَ [سورة المائدة /2] وجعلَ لهمُ الأجرَ والثوابَ في الدلالةِ على الخيرِ والبرِّ، ومن ذلكَ تفطيرُ الصائمِ؛ لأنَّ الصائمَ مأمورٌ بأن يُفطِرَ وأنْ يُعجّلَ الفطرَ، فإذا قامَ المسلمُ بتفطيرِ الصائمِ سواءٌ أكانَ ذلك صيامَ نافلةٍ أو فريضةٍ فسيكونُ لهُ مِنَ الأجرِ مثلُهُ مِنْ غيرِ أن ينقصَ من أجرِ الصائمِ شىءٌ.
فقد روى الترمِذيُّ والإمامُ أحمدُ عن زيدِ بنِ خالدٍ عن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "مَنْ فَطَّرَ صائمًا كانَ لهُ مثلُ أجرهِ غيرَ أنَّهُ لا ينتقصُ مِنْ أجرِ الصائمِ شيئًا" فمن فطَّرَ صائمًا نالَ مِنَ الأجرِ مثلَ أجرِ الصائمِ مِنْ غيرِ أنْ يَنقصَ مِنْ أجرِ الصائمِ شىء. وقد كانَ السلفُ الصالحُ يحرصونَ على تفطيرِ الصائمينَ، وما زالتْ هذه سنةً قائمةً وعادةً متعارفةً ينشأُ عليها الناسُ جيلًا بعدَ جيلٍ.
وليسَ غريبًا أن يكونَ هذا حالَ أهلِ الصدقِ معَ اللهِ تباركَ وتعالى وأهلَ التأسي بهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقد كانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أجودَ الناسِ، وكانَ جودُهُ يتضاعفُ في رمضانَ، فعن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودَ الناسِ، وكانَ أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حينَ يلقاهُ جبريلُ، وكانَ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ مِنْ رمضانَ فيدارسُهُ القرءانَ فلرسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودُ بالخيرِ مِنَ الريحِ المرسلةِ.
وسُئلَ بعضُ السلفِ: لِـمَ شُرِعَ الصيامُ؟ قالَ: ليذوقَ الغنيُّ طعمَ الجوعِ فلا ينسى الجائعَ، وهذا مِنْ بعضِ حكمِ الصومِ وفوائدِه. وليسَ تفطيرُ الصائمينَ محصورًا في الفقراءِ والمساكينِ، بل إنَّ التفطيرَ يكونُ لكلِّ المسلمينَ فقيرِهم وغنيِّهم، وهو بمثابةِ الهديةِ للغنيِّ. ففي هذا الشهرِ الكريمِ تُضاعفُ الحسناتُ وتُقالُ العثراتُ وتُجابُ الدعواتُ، وهو شهرُ الصبرِ والمواساةِ والصدقاتِ، فقد سُئلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "أيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ فقَالَ: "صدقـةٌ في رمضانَ".
فقد أخرجَ ابنُ أبي الدنيا في "قضاءِ الحوائجِ" والبيهقيُّ في "شُعَبِ الإيمانِ" عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ عَنِ النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "أفضلُ الأعمالِ أن تُدْخِلَ على أخيكَ المؤمنِ سرورًا، أو تقضيَ عنهُ ديْنًا، أو تُطْعِمَهُ خُبزًا". كما أخرجَ الترمِذيُّ أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "أيُّما مؤمنٍ أطعمَ مؤمنًا على جوعٍ أطعمَهُ اللهُ مِنْ ثمارِ الجَنَّةِ ومَن سقى مؤمنًا على ظمأٍ سقاهُ اللهُ مِنَ الرحيقِ المختومِ". فمَن جادَ على عبادِ اللهِ جادَ اللهُ عليهِ بالعطاءِ والفضلِ.
واختلفَ العلماءُ في معنى "مَنْ فطّرَ صائمًا" فقيلَ: إنَّ المرادَ مِنْ تفطيرِه هو أدنى ما يُفَطَّرُ بهِ الصائمُ ولو بتمرةٍ واحدةٍ فإنَّ لهُ مثلَ أجرِهِ، وما ذلكَ على اللهِ بعزيزٍ، فالصائمُ يُجاهدُ نفسَهُ في تركِ الطعامِ والشرابِ والشهواتِ، امتثالًا لأمرِ اللهِ تعالى وإذعانًا لَهُ. وقالَ بعضُ العلماءِ: المرادُ بتفطيرهِ أن يُشْبِعَهُ؛ لأنَّ هذا هو الذي ينفعُ الصائمَ طولَ ليلهِ وربما يستغني بهِ عن السَّحورِ؟ ولكنْ ظاهرُ الحديثِ أنَّ الإنسانَ لو فطَّرَ صائمًا ولو بتمرةٍ واحدةٍ فإنهُ له مثلُ أجرهِ. ولهذا ينبغي للإنسانِ أن يحرصَ على إفطارِ الصائمينَ بقدرِ المستطاعِ لاسيما مع حاجةِ الصائمينَ وفقرِهم أو حاجتِهم لكونِهم لا يجدونَ من يقومُ بتجهيزِ الفَطورِ لهم وما أشبهَ ذلكَ. فيا سعادةَ مَنْ أعانَ الناسَ على أفعالِ البرِّ والخيرِ.
نسألُ اللهَ العليَّ القديرَ أن يوفقَنَا لِمرضاتِهِ ويحشُرَنَا مع أنبيائِهِ، ءامينَ يا ربَّ العالمينَ.