سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات رمضان خير الشهور - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلمُ أنَّ مَنْ قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبهِ؟


هل تعلمُ أنَّ مَنْ قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبهِ؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

أما بعدُ فإنَّ ليلةَ القدرِ المباركةَ هي الليلةُ التي يُفْرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيمٍ، وتنـزلُ فيها الملائكةُ من السماءِ، وتكثُرُ فيها الخيراتُ والمصالحُ والنعماءُ. مَنْ قامَها إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لهُ ما تقدّمَ مِنَ الذنوبِ، ومَنْ فرّطَ فيها وحُرِمَ خيرَها فهو الملومُ المحرومُ.
أخفاها اللهُ تعالى فلم يُبَيِّنْ عينَها ليتزودَ الناسُ في جميعِ الليالي مِنَ التهجدِ والقراءةِ والإحسانِ، وليَتَبَيَّنَ بذلكَ النشيطُ في طلبِ الخيراتِ مِنَ الكسلانِ، فإنَّ الناسَ لو علموا عينَها لاقتصرَ أكثرُهم على قيامِ تلكَ الليلةِ دونَ ما سواها، ولو عَلِمُوا عينَها ما حصلَ كمالُ الامتحانِ في علوِّ الهمةِ وأدناها، فاطلبوها رحمَكمُ اللهُ بجدٍّ وإخلاصٍ، واسألوا اللهَ فيها الغنيمةَ مِنَ البِرِّ والخيراتِ والسلامةَ مِنَ الإفلاسِ. فإذا مررتُم بآيةِ رحمةٍ فاسألوا اللهَ مِنْ فضلهِ، وإذا مررتُم بآيةِ وعيدٍ فتعوَّذوا باللهِ مِنْ عذابهِ.
سماها اللهُ تعالى ليلةَ القدرِ وذلكَ لعظمِ قدرِها وجلالةِ مكانتِها عندَ اللهِ ولكثرةِ مغفرةِ الذنوبِ وستـرِ العيوبِ فيها، فهي ليلةُ المغفرةِ كما في الصحيحينَ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "مَنْ قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لهُ ما تقدّمَ مِنْ ذنبِه" رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ. فقولُهُ: "إيمانًا واحتسابًا" أي تصديقًا بوعدِ اللهِ بالثوابِ عليهِ وطلبًا للأجرِ لا لقصدٍ ءاخرَ مِنْ رياءٍ أو نحوِهِ. (فتحُ الباري 4/251). وقد خصُّ اللهُ تعالى هذه الليلةَ بخصائصَ منها:
- أنَّهُ نزلَ فيها القرءانُ، قالَ ابنُ عباسٍ وغيرُهُ: أنزلَ اللهُ القرءانَ جملةً واحدةً مِنَ اللوحِ المحفوظِ إلى بيتِ العزةِ مِنَ السماءِ الدنيا، ثم نزلَ مفصلًا بحسبِ الوقائعِ في ثلاثٍ وعشرينَ سنةً على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
- وصَفَها بأنها مباركةٌ في قولهِ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ [سورةُ الدخانِ الآية 3].
- أنها تنـزلُ فيها الملائكةُ والروحُ، "أي يَكثرُ تنـزُّلُ الملائكةِ في هذه الليلةِ لكثرةِ بركتِها، والملائكةُ يتنـزّلونَ مع تنـزلِ البركةِ والرحمةِ، كما يتنـزّلونَ عندَ تلاوةِ القرءانِ، ويُحيطونَ بحِلَقِ الذِّكْرِ، ويضعونَ أجنحتَهم لطالبِ العلمِ بصدقٍ تعظيمًا.
- ووصفَها بأنها سلامٌ، أي سالمةٌ لا يستطيعُ الشيطانُ أنْ يعملَ فيها سوءًا أو يعملَ فيها أذًى كما قالَهُ مجاهدٌ، وتكثُرُ فيها السلامةُ مِنَ العقابِ والعذابِ بما يقومُ العبدُ مِنْ طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
- وقولُهُ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)﴾ أي في ليلةِ القدرِ يُفصَلُ مِنَ اللوحِ المحفوظِ إلى الكتبةِ أمرَ السَّنةِ، وما يكونُ فيها مِنَ الآجالِ والأرزاقِ، وما يكونُ فيها إلى ءاخرِها.
- ووصَفَها بأنها خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ كما في قولهِ تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [سورة القدر الآية/3] أي إحْياؤها بالعبادةِ فيها خيرٌ مِنْ عبادةِ ثلاثٍ وثمانينَ سنةً، وهذا فضلٌ عظيمٌ لا يقدرُ قدرَهُ إلا ربُّ العالمينَ تباركَ وتعالى، وفي هذا ترغيبٌ للمسلمِ وحثٌّ لهُ على قيامِها ابتغاءَ وجهِ اللهِ بذلكَ، ولذا كانَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يلتمسُ هذه الليلةَ ويتحراها مسابقةً منهُ إلى الخيرِ، وهو القدوةُ للأمةِ، وفقنا اللهُ وإياكم للاقتداءِ بالرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
اللهم إنا نسألك حبك ، وحب من يحبك ، والعمل الذي يبلغنا حبك ، وأعنا على القيام والصيام، ءامين يا رب العالمين .