سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات قصة وعبرة - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

اللجوءُ إلى الله


اللجوءُ إلى الله
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

العبدُ المذنبُ لو تابَ ولجأَ إلى اللهِ تعالى بالدعاءِ والتوبةِ قد يُكْرِمُهُ اللهُ بصلاحِ الحالِ بعدَ التوبةِ الصادقةِ، فقد ذُكِرَ أنَّهُ كانتِ امرأةٌ بَغْيٌ في زمنِ بني إسرائيلَ فائقةُ الحسنِ في جمالِهَا، لا تُمَكِّنُ مِنْ نفسِها إلا بمائةِ دينارٍ وأنَّهُ أبصرَها رجلٌ فأعجَبَتْهُ، فذهبَ يعمَلُ حتى جمعَ مائةَ دينارٍ.
ثم جاءَ إليها وقالَ: "إنَّكِ أعجَبْتِني" فانطلقتُ فعملتُ بيدِي حتى جمعتُ لكِ مائةَ دينارٍ.
فقالتْ لَهْ: ادخُلْ، فدخَلَ وكانَ لها سريرٌ طُلِيَ ذهبًا فجلسَتْ على سريرِها ثم قالتْ له "هَلُمّ"، فما أنْ جَلسَ منها مجلسَ الرجلِ مِنَ المرأةِ ذكرَ مَقامَهُ بين يدَي اللهِ تعالى فقالَ لها: اترُكِيني أَخرُجَ ولكِ المائةُ دينارٍ. فقالتْ: ما بدا لكَ وقد زَعَمْتَ أني أَعْجَبْتُكَ ولَمَّا قدرْتَ عليَّ فعلتَ الذي فعلتَ.
قالَ: خوفًا من اللهِ ومن مَقامِي بين يدَيهِ، وأنتِ الآن من أبغضِ الناسِ إلَّي ودعا اللهَ تائبًا من ذنبِه. فقالت: إن كنتَ صادقًا فما لي زوجٌ غيرُك. فقال: دعِيني أَخرُجَ، فقالت: لا، إلا أن تجعلَ لي أنَّكَ تتزوجُ بي.
فما كانَ منهُ إلا أنْ خرجَ إلى بلدِهِ وارتحلَتْ وهي نادمةٌ طلبتْ مِنَ اللهِ المغفرةَ على ما كانَ منها حتى قَدِمَتْ إلى بلدِهِ.
فسألتْ عن اسمِهِ ومنـزلِه فدُلَّتْ عليه وكانت تُعرفُ بالملكةِ. فقيلَ لَهُ: إنَّ الملكةَ قد جاءتك، فلما رءاها شَهَقَ شهقةً فماتَ رحمَهُ اللهُ فسقطَ بين يدَيْها.
فقالت: أما هذا فقد فاتني، فسألَتْ هل لهُ من قريبٍ؟ قالوا: أخوهُ فقيرٌ، فتزوجتْهُ وولدتْ منهُ سبعةَ أبناءٍ،كلُّهم كانوا على الصلاحِ.
إن كنتَ تعلمُ أن الموتَ لا بُدَّ ءاتٍ فالاستعدادُ لهُ أولى مِنَ الاستعدادِ للحياة، فإذا فعلتَ ذلكَ سُررتَ عندَ الموتِ سرورًا لا نهايةَ لهُ.
كلُّ نَفَسٍ من أنفاسِكَ جوهرةٌ لا قيمةَ لها لأنَّهُ إذا مضى نفسٌ فلا عودَ لهُ. فلا تفرحْ إلا بعلمٍ أو عملٍ صالحٍ هما رفيقاك ويَصْحَبَانِكَ في القبرِ حيثُ يتخلفُ عنكَ أهلُكَ وأصحابُكَ وولدُكَ.
واصبِرْ على طاعةِ اللهِ ولو كصبرِ المريضِ على مرارةِ الدواءِ انتظارًا للشفاءِ، وقُلْ لنفسِك أصبرُ اليومَ فلعلي أموتُ الليلةَ، وأصبرُ الليلةَ فلعلي أموتُ غدًا. وأنت تعلمُ أن الموتَ لا يأتي في وقتٍ مخصوصٍ ولا حالٍ مخصوصٍ.
ولا تَكُنْ مِنَ الذينَ يفرحونَ بكثرةِ أموالِهم مع نقْصِ أعمالِهِم، فلا خيرَ في مالٍ يزيدُ وعُمُرٍ يَنْقُصُ. اجعَلْ لكُلِّ وقتٍ عَمَلا تَعْمَلُهُ، وقتُكَ عُمُرُكَ وهو رأسُمالِكَ، وعليهِ تجارتُكَ للوصولِ لنعيمِ دارِ الأبدِ.