سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات من قصص الأنبياء - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

نبيّ الله إبراهيم عليه السلام


كفى اللهُ كيدَ المجرمينِ
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

بعدما أصرَّ قومُ إبراهيمَ عليه الصلاةُ والسلامُ على عبادةِ غيرِ اللهِ ولم يؤمنْ بهِ إلا نفرٌ قليلٌ منهُم، ولَما لـَمْ يَـجدْ إبراهيمُ عليه السلامُ منهم إقبالا الى الهدى والإيمانِ أرادَ أن يهاجِرَ إلى بلدٍ يتمكنُ فيهِ من عبادةِ اللهِ ودعوةِ الناسِ فيهِ إلى الإيمانِ والإسلامِ، علَّهُ يجدُ هناك ءاذانًا صاغيةً وقلوبًا واعيةً تقبلُ الحقَّ والإيمانَ وتُقِرُّ بوحدانيةِ اللهِ الملكِ الديانِ مالكِ السمواتِ والأرضِ.
قال تعالى حكايةً عن نبيّهِ إبراهيمَ عليه السلامُ: "وقال إني ذاهبٌ إلى ربي سيهدين٩٩" "سورة الصافات" وذلك حينَ أرادَ هجرةَ قومِهِ بعد هذا الإصرارِ والعنادِ منهُم على شركِهِم، أي إني ذاهبٌ الى حيثُ أمرنِي ربّـي عزَّ وجلَّ وهو الشامُ، أو المعنى الى حيثُ أتـمكنُ فيهِ من عبادةِ ربي عز وجلَّ. وهاجرَ سيدُنَا إبراهيمُ عليه السلامُ مع زوجتِهِ سارةَ الى أرض الشامِ، وكانت هجرةُ إبراهيمَ عليه السلامُ إلى بر الشامِ بأمرِ اللهِ فيها بركةٌ.
يقالُ إنه لَما ضاقَتْ سبلُ العيشِ في الشامِ وعمَّ القحطُ رَحَلَ إبراهيمُ عليهِ السلامُ إلى مصرَ وكانَتْ معه زوجتُهُ سارةُ، وكانَ على هذهِ الأرضِ ملكٌ جَبَّارٌ متسلطٌ غيرُ مؤمنٍ، وكان قابضًا على زمامِ الحكمِ في هذهِ البلادِ، وكانَ من جملةِ الفسادِ الذي عندَ هذا الملكِ الخبيثِ أنه كان إذا دخلَتْ إلى بلدتِهِ وأرضِهِ امرأةٌ جميلةٌ يأخذونَـهَا اليه ليفعلَ الفاحشةَ بِـها، فلما دخلَ إبراهيمُ عليه السلامُ مع زوجتِهِ سارةَ الى أرضِ الجبارِ وكانَتْ سارةُ من أحسنِ وأجملِ النساءِ وكانت لا تعصِي إبراهيمَ عليهِ السلامُ، وُصِفَ حُسْنُ وجمالُ سارةَ عليهَا السلامُ لهذا الـملكِ الجبارِ الخبيثِ فأرسلَ إلى إبراهيمَ فقالَ لهُ: من هذهِ المرأةُ التي معكَ؟ ففَطِنَ إبراهيمُ عليهِ السلامُ إلى مقصدِهِ الخبيثِ ومَأربهِ وخَشِيَ إِنْ أخبرَهُ أنَّـهَا زوجتُهُ أن يُبَيّـِتَ لهُ الشَرَّ فيقتلهُ ليتخلص منهُ فيستأثر بسارةَ من بعدِهِ، فقالَ لهُ إبراهيمُ: "أختِي" أي أختِي في الإسلام، فظنَّ الملكُ الجبارُ أنها غيرُ متزوجةٍ، فطَلَبَ منهُ أن يُـحضرَهَا إليهِ في قصرِهِ، وذَهَبَ إبراهيمُ عليهِ السلامُ إلى زوجتِهِ سارةَ وأخبرهَا بـمَا جَرَى مع هذا الملكِ الجبارِ وقال لها: يا سارةُ ليسَ على وجهِ الأرضِ زوجانِ مؤمنانِ غيرِي وغيرُكِ وإنَّ هذا سألنِي فأخبرتُهُ أنَّكِ أختِي فلا تُكَذّبِينِـي، ودَخَلَتْ سارةُ على هذا الملكِ الجبارِ بعد أن قَامَتْ وتوضأَتْ ودَعَتِ اللهَ تعالى أن يَكْفِيَهَا شَرَّ هذا الملكِ الجبارِ.
فلَما رءاهَا هذا الـمَلِكُ أعجب بِـها ومدَّ يده اليها لِيَتَنَاوَلَـهَا بيدِهِ لكنْ يَبسَتْ يدُهُ فقال لَـها: ادعي اللهَ لِي ولا أضرُّكِ، فدَعَتِ اللهَ تبارك وتعالى فانفكَّتْ يدُهُ بعد يُبْسِهَا وعادَتْ إلى طبيعتِهَا، ولكنَّ هذا الخبيثَ طاوعَ نفسَهُ الخبيثةَ وأَمَرَتْهُ أن يَـمُدَّ يَدَهُ إلى سارةَ لِيَتَنَاوَلَـهَا مرةً ثانيةً، فلما أهوَى إليهَا يَبسَتْ لهُ مثلَ المرةِ الأولَى أو أشدَّ، فقال لـها: ادعي اللهَ لي ولا أضرُّكِ فَدَعَتْ سارةُ اللهَ تعالى فأطلقَ اللهُ يدَهُ، فلما رأى هذا الخبيثُ ما رأى رَدَّهَا إلى إبراهيمَ عليهِ السلامُ، ودعا بعضَ حَجَبَتِهِ فقالَ لَـهُم: إنكُم لـم تأتونِي بإنسانٍ إنَّـما أتيتمونِـي بِـجِنيةٍ، ووَهَبَ لسارةَ وأَخْدَمَهَا هاجرَ، فأَقبَلَتْ سارةُ عليها السلامُ بهاجرَ إلى زوجِهَا إبراهيمَ عليهِ السلامُ وهو قائمٌ يصلّي.
ثم لَما سألَـها إبراهيمُ عما جرى معها قالت له: كَفَى اللهُ كيدَ الكافرينَ وأَخْدَمَنِـي هاجرَ، وقد روى هذه القصةَ بنحوِهَا البخاريُّ في صحيحِهِ عن أبي هريرةَ موقوفًا والبزارُ في مسندِهِ والإمامُ أحمدُ عن أبي هريرةَ مرفوعًا.
اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ