سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات مولد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن الكَوْنَ اسْتَنَارَ بِطَلْعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟


هل تعلم أن الكَوْنَ اسْتَنَارَ بِطَلْعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على سيدِ المرسلينَ وخاتمِ النبيينَ محمدٍ وعلى ءالِهِ الأَطهارِ وصحابتِهِ الأَخيارِ.
أما بعد ففي مِثْلِ هَذا الشَّهْرِ المُبَارَكِ وُلِدَ فَخْرُ المُرْسَلِينَ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ فَاسْتَنَارَ الكَوْنُ بِطَلْعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِهَذا النُّورِ الوَهَّاجِ حَتَّى انْقَشَعَتِ الظُّلُمَاتُ المُتَرَاكِمَةُ المُتَوَارَثَةُ مِنَ القُرُونِ الهَمَجِيَّةِ المُتَوَغِّلَةِ في الجَهْلِ حَيْثُ أَخَذَتْ تَزُولُ شَيئًا فَشَيئًا بِنُورِ هَدْيِهِ صَلَواتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيْهِ، واسْتَنَارَتْ بَصَائِرُ الذِينَ ءامَنُوا بِهِ اسْتِنَارَةً تُضِيءُ لَهُمُ السَّبِيلُ فَصَارُوا في عِزٍّ مَنِيعٍ وَرُقِيٍّ بَاهِرٍ في جَمِيعِ مَرَافِقِ الحَيَاةِ وَاعْتِلاءِ شَأْنٍ في العُلُومِ والأعْمَالِ والأَخْلاقِ اعْتِلاءً يُوَازِي مِقْدَارَ تَمَسُّكِهِمْ بِأَهْدَابِ هَذا الدِّينِ الحَنِيفِ.
فَقَدْ كَانَتِ الطَّوَائِفُ البَشَرِيَّةُ في عَهْدِ الجَاهِلِيَّةِ في شَّرٍّ مُسْتَطِيرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانُوا يَئِدُونَ بَنَاتِهِمْ وَيَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ ثُمَّ تَرَاهُمْ يَأْكُلُونَهُ أيَّامَ المَجَاعَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أنَّ اللهَ شَيْخٌ أَشْمَطٌ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ أَبْيَضُ الرَّأْسِ واللِّحْيَةِ وَحَوْلَهُ الأمْلاكُ. تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَفْتَرُونَ، وَمِنْهُمْ شَرَاذِمُ يَتَعَبَّدُونَ الأَجْرَامَ العُلْوِيَّةَ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الإلَهَ قَاعِدٌ عَلَى العَرْشِ في السَّمَاءِ قُعُودَ المَلِكِ عَلَى سَرِيرِ المُلْكِ في الأرْضِ تَعَالى اللهُ عَمَّا يَخْتَلِقُونَ، وَمِنْ حَوْلِهِم الصَّابِئَةُ عَبَدَةُ الأَجْرَامِ وَكَذَلِكَ المَجُوسُ وَالدَّهْرِيُّونَ والطَّبِيعِيُّونَ الذينَ يَنْفُونَ وُجُودَ الإلَهِ والبَرَاهِمَةُ القَائِلُونَ بِنَفْيِ النُّبُوَّةِ.
هَكَذَا كَانَ الحِجَازُ وَمَا حَوْلَهُ إلى فِلَسْطِينَ وَالشَّامِ والعِرَاقِ وَبِلادِ الرُّومِ وأَرْضِ الفُرْسِ والهِنْدِ وَبِلادِ أفْرِيقِيَا حِينَ بُعِثَ خَاتَمُ رُسُلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا أَقْتَمَ وَأَظْلَمَ هَذا المَنْظَرَ في تَارِيخِ البَشَرِ.
فَقَامَ هَذا النَّبيُّ الهَاشِمِيُّ صَلَواتُ اللهُ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ بِالدَّعْوَةِ إلى الإسْلامِ في تِلْكَ البِيئَةِ المُحَاطَةِ بِتِلْكَ الأُمَمِ يُقِيمُ الحُجَّةَ لِدَعْوَتِهِ بِحَيْثُ لا يَدَعُ عُذْرًا لِمُعَانِدٍ، وَيُوقِظُ العُقُولَ إلى المَعَالي وَيَدْعُو إلى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، حَتَّى خَرَقَتْ دَعْوَتُهُ ذَلِكَ النِّطَاقَ وَانْتَشَرَ الإسْلامُ في جَمِيعِ الآفَاقِ فَدَانَتِ الأُمَمُ بِنُورِ هِدَايَتِهِ في مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَعَلَى هَذَا كَانَ سَلَفُ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ في غَايَةٍ مِنَ الاعْتِصَامِ بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ.
فَمَا أَحْوجَنَا اليَوْمَ إلى مَزِيدِ تَمَسُّكٍ بِتَعَالِيمِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَشْرِ الهُدَى والرَّشَادِ وَإِقَامَةِ صُرُوحِ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ.