سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات من كلام سيّد المرسلين - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

سرعةُ إجابةِ الدعاءِ والإنجاح


سرعةُ إجابةِ الدعاءِ والإنجاح
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هناكَ حديثٌ قدسيٌّ يُغالِطُ بعضُ الناسِ في تفسيرِهِ يأخذونَ معناهُ على الظاهرِ، ولهذا الحديثِ معنًى يليقُ بجلالِ اللهِ تعالى ـ سبحانَهُ جلَّ شأنُهُ ـ وتنـزيهِهِ عن النقصِ وصفاتِ المخلوقينِ.
وهذا الحديثُ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَىءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالْنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيْذَنَّهُ" رواهُ البخاريُّ في الصحيحِ.
وقد فسّرَ هذا الحديثَ الشريفَ الشيخُ أبو عثمانَ الحِيريُّ رحمَهُ اللهُ أنَّهُ سُئِلَ عن معنى هذا الخبرِ فقالَ: "معناهُ كنتُ أسرعَ إلى قضاءِ حوائجِهِ من سمعِه في الاستماعِ، وبصرِهِ في النظرِ، ويدِهِ في اللمسِ، ورجلِهِ في المشيِ" رواهُ البيهقيُّ في كتابِ الزهدِ الكبيرِ.
وقالَ أبو سليمانَ الخطابيُّ رحمَهُ اللهُ: والمعنى - واللهُ أعلمُ - توفيقُهُ في الأعمالِ التي يُباشِرُها بهذهِ الأعضاءِ وتيسيرُ المحبةِ لهُ فيها فيحفظُ جوارحَهُ عليهِ ويعصمُهُ عَنْ مُواقعةِ ما يكرهُ اللهُ مِنْ إصغاءٍ إلى اللهوِ بسمعِهِ، ونظرٍ إلى ما نهى عنهُ مِنَ اللهوِ ببصرِهِ، وبطشٍ إلى ما لا يحِلُّ لَهُ بيدِهِ، وسعيٍ في الباطلٍ برجلِهِ، وقد يكونُ معناهُ سرعةَ إجابةِ الدعاءِ والإنجاحِ، وذلكَ أنَّ مساعيَ الإنسانِ إنما تكونُ بهذهِ الجوارحِ الأربعِ" اهـ. رواهُ البيهقيُّ في كتابِ الأسماءِ والصفاتِ.
فاللهُ سبحانَهُ وتعالى يُكْرِمُ عبدَهُ الصالحَ بأنْ يحفَظَ جوارحَهُ مِنْ إتيانِ المعاصي الـمُوبِقةِ، ويُكرِمُهُ بالكراماتِ الجليلةِ في هذهِ الجوارحِ لشدةِ طاعةِ هذا العبدِ وشَغَفِهِ بحبِّ مولاهُ فيُعطيهِ سبحانَهُ قوةً في البصرِ فيرى الشىءَ البعيدَ وكأنَّهُ أمامَهُ، وقوةً في السمعِ يسمعُ بها الكلامَ البعيدَ وكأنَّهُ قربَهُ، وقوةً في المشيِ فيطوي اللهُ لهُ الأرضَ فيَقْطَعُ المسافاتِ الطويلةَ بدقائِقَ وبمهلةٍ بسيطةٍ جدًا، وقوةً في اليدِ خارقةً للعادةِ.
ولذا عندما كانَ سيدُنا عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ على المنبرِ يخطبُ في المدينةِ المنورةِ على ساكنِها أفضلُ الصلاةِ والسلامِ كان جيشُ المسلمينَ في نهاوندَ في بلادِ فارسَ وقد أحاطَ بهِ المشركونَ بالمكيدةِ والحِيلةِ للانقضاضِ عليهِ فكاشفَ اللهُ عمرَ حالةَ المسلمينَ فرءاهم كأنَّهم أمامَهُ فهذا يُطابِقُ قولَ "كنتُ بصرَهُ الذي يُبصِرُ بِهِ" فقالَ سيدُنا عمرُ: "يا ساريةُ الجبلَ الجبلَ" فسَمِعَ قائدُ جيشِ المسلمِينَ سيدُنا ساريةُ بنُ زُنَيمٍ صوتَ عمرَ فانتبهَ لمكيدةِ المشركِينَ فانحازَ نحوَ الجبلِ وكتبَ اللهُ النصرَ للمؤمنينَ بفضلِ اللهِ تعالى.
فإسماعُ اللهِ تعالى صوتَ سيدِنا عمرَ لساريةَ وجيشِ المسلمينَ حتى أسمعَ الذينَ بتلك المسافةِ يومَ لم يكن تلفونٌ ولا برقياتٌ مُوافِقٌ لقولِهِ: "كنتُ سمعَهُ الذي يَسمَعُ بِهِ".
فأداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرماتِ أفضلُ ما يُقَرِّبُ إلى اللهِ، أداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرماتِ تقرِّبُ إلى اللهِ أكثرَ مِنَ النوافلِ، النوافلُ تُقَرِّبُ إلى اللهِ لكن ليسَ كالفرائضِ. فإذا تَقَرَّبَ العبدُ بالنوافلِ بعدَ الفرائضِ اللهُ يُحِبّهُ يكونُ سمعَهُ الذي يَسمعُ بِهِ أي يحفظُ سَمعَهُ عمّا يُهْلِكُهُ ويحفظُ لهُ يدَهُ ورجلَهُ التي يمشي بها، يحفظُ لهُ فيستعملُها في الخيرِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا دينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا وأصلحْ لنا دُنيانَا الَّتِي فيهَا معاشُنَا وأصلحْ لنا آخِرَتَنَا التي فيها معادُنَا، واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كُلِّ خَيْرٍ واجعلِ الموتَ راحةً لنا منْ كُلِّ شَرٍّ.