سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

يوم تحدث الأرض أخبارها هوله عظيم


يوم تحدث الأرض أخبارها هوله عظيم
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿تَكَادُ﴾ جَهَنَّمُ ﴿تَمَيَّزُ﴾ يَعْنِي تَتَقَطَّعُ وَتَتَفَرَّقُ، ﴿مِنَ الْغَيْظِ﴾ غَضَبًا عَلَى الْكُفَّارِ، فَجُعِلَتْ جهنمُ كَالْمُغْتَاظَةِ عَلَيْهِم اسْتِعَارَةً لِشِدَّةِ غَلَيَانِهَا بِهِمْ. تكادُ جهنمُ تتقطعُ مِنَ الغيظِ على الكفارِ، تكادُ تتمزقُ مِنْ شدةِ غيظِها عليهم. اللهُ تعالى أحيانًا يخلقُ اللهُ في الجماداتِ الإدراكَ مِنْ غيرِ عقلٍ، كما يخلقُ في البهائمِ إحساسًا بلا عقلٍ، جهنمُ كذلكَ. كما يحصلُ للأرضِ قالَ اللهُ تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5)﴾ [سورة الزلزلة] تحُدِّثُ أخبارَها بِوَحْيِ اللهِ وإذنِهِ لها، أي أَوْحى إِليْها وأَذِنَ لها أنْ تُخْبِرَ بما عُمِلَ عليها. فَمِنْ هذهِ الآيةِ يُفهَمُ أنَّ الأرضَ في ذلكَ الوقتِ يخلُقُ اللهُ فيها إدراكًا فيُعْلِمُها بما كانَ يُعمَلُ على ظَهْرِها. اللهُ تباركَ وتعالى يَجْعَلُ في بعضِ الجماداتِ إدراكًا فَتَنْطِقُ، الجِذْعُ اليَبيسُ الجامدُ الذي حَنَّ وأنَّ واشتكى لِفِراقِ رسولِ الله محمّدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، اللهُ تعالى خلَقَ فيهِ الإدراكَ وشدَّةَ الشَوْقِ لرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.
ومِمّا يَشْهَدُ أيضًا أنَّ اللهَ يجعَلُ في بعضِ الجماداتِ إدراكًا أنَّ ثلاثةً مِنَ المسلمينَ الذينَ كانوا قبلَ هذهِ الأمّةِ، كانوا في سفرٍ فدخلوا غارًا لِيَسْتَريحوا فوقَعَتْ صخرةٌ مِنْ قِمَّةِ الجبلِ فَسَدَّتْ فَمَ الغارِ فلم يبقَ فُرْجَةٌ يستطيعونَ أنْ يَخْرجوا مِنْها، فقالَ بعضُهُم لبعضٍ. كلٌّ منّا يدعو اللهَ تعالى بصالِحِ عَمَلِهِ (أي بِعَمَلٍ صالحٍ للهِ تعالى) ليُفرّجَ عنّا. فدعا أحدُهُم فانفرَجَ مِنْ فَمِ الغارِ مقدارٌ لا يستطيعونَ الخروجَ منه، ثُمَّ دعا الثاني بِصالِحِ عَمَلِهِ فانفرجَ الغارُ بعضَ الشىءِ بحيثُ لا يستطيعونَ الخروجَ، ثُمَّ لَمّا دعا الثالثُ انفرَجَ بحيثُ يستطيعونَ الخروجَ. الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: «تلكَ الصخرةُ هَبَطَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ» يصيرُ فيها شعورٌ تنـزلُ من فوقٍ الى أسفلَ مِنْ دونِ أن يُدَحْرِجَهُ إنسانٌ أو جنيٌّ.
يقولُ اللهُ تعالى في القرءانِ العظيمِ عن اليهودِ: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سورة البقرة/74].
كثيٌر مِنَ الجماداتِ إن أرادَ اللهُ أن يخلقَ فيها حياةً بلا روحٍ يحصلُ لها إدراكٌ ومعرفةٌ، كما هو شأنُ الجبلِ الذي قالَ اللهُ فيهِ لموسى: ﴿ولكنِ انظُرْ إلى الجبلِ فإنِ استقرَّ مكانَهُ فسوفَ تراني فلما تجلى ربُّهُ للجبلِ جعلَهُ دكًّا﴾ الآيةَ [سورة الأعراف/143] تجلى ربُّهُ للجبلِ معناهُ خلقَ للجبلِ إدراكًا ومعرفةً ورؤيةً، رأى الجبلُ اللهَ تعالى، خلقَ فيه الرؤيةَ مِنْ غيرِ عيونٍ، اللهُ تعالى قادرٌ على أن يخلقَ في جميعِ أجزائِنا الرؤيةَ، في الأناملِ في أصابعِ الرِّجلِ في أيِّ موضعٍ، لكن جرتِ العادةُ بأن جعلَ اللهُ رؤيةَ البشرِ في أعينِهم، في هذا الموضعِ المعروفِ. فالجبلُ لو لم يكنْ له عيونٌ صَحَّ أنَّ اللهَ تعالى خلقَ فيهِ الإدراكَ والمعرفةَ والخشيةَ والهيبةَ.
اللهُ تعالى خلقَ عوالمَ كثيرةً فالملائكةُ عالمٌ والجنُّ عالمٌ والإنسُ عالمٌ، هؤلاءِ عوالمُ ذوو العقولِ، أما البهائمُ ليسوا مِنْ ذوي العقولِ، هم مِنْ عوالمِ اللهِ تعالى لكنهم ليسوا مِنْ ذوي العقولِ، مع ذلكَ يجوزُ أن يخلقَ اللهُ تعالى في بعضِ المخلوقاتِ مِنَ التي هي مِنَ الجماداتِ النطقَ والإدراكَ، قد يخلقُ اللهُ في بعضِ البهائمِ وفي بعضِ الجماداتِ الإدراكَ والنطقَ الصحيحَ الذي نحن لا نعلمُهُ إنما يعلمُهُ مَنْ خصَّهُ اللهُ بمعرفتهِ كسليمانَ، سليمانُ علَّمَهُ اللهُ تعالى منطقَ الطيرِ، كانَ يفهمُ مِنَ الطيرِ منطقَها. أما الشجرةُ يُنطقُها اللهُ تعالى في معجزةٍ لنبيٍّ، إذا أرادَ اللهُ تعالى إظهارَ معجزةٍ لنبيهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يُنطقَ الشجرَ والحجرَ، كانَ سيدُنا عليٌّ رضيَ اللهُ عَنهُ مع النبيِّ في بعضِ جبالِ مكةَ قالَ عليٌّ: فما استقبلَنا حجرٌ ولا شجرٌ إلا قالَ: "السلامُ عليكَ يا رسولَ اللهِ"، كانَ عليٌّ يسمعُ بأذنهِ سلامَ الشجرِ والجبلِ، هذه حالاتٌ خاصةٌ يُنطقُ اللهُ تعالى الجمادَ فيها، يخلقُ في الجمادِ الإدراكَ لكن بدونِ روحٍ، اللهُ تعالى قادرٌ أن يخلقَ الإحساسَ والإدراكَ والمعرفةَ والنطقَ مِنْ دونِ أن يجعلَ فيهِ روحًا. ليسَ الروحُ شرطًا عقليًّا ولا شرعيًّا للإحساسِ والإدراكِ والنطقِ، إذا شاءَ اللهُ تعالى أن يُنطقَ شجرًا أو حجرًا ينطقُ، وقد حصلَ، ومن ذلكَ أنَّ العباسَ بنَ عبدِ المطلبِ عمَّ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ جاءَ الرسولُ ذاتَ يومٍ إليهِ قالَ لهُ: أنتَ وأبناؤكَ لا تفارقوا المنزلَ حتى أعودَ إليكم ثم جاءَهم قالَ لهم: "السلامُ عليكم كيفَ أصبحتم" قالوا "وعليكم السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ يا رسولَ اللهِ" ثم قالَ لهم: "تدانَوا" أي اقترِبوا، ليقترِبْ بعضُكم مِنْ بعضٍ فتدانَوْا فوضعَ عليهم مُلاءةً وهي ثوبٌ مِنْ قطعةٍ واحدةٍ عريضةٍ، مدَّهُ عليهم وقالَ: "اللهمَّ استرهم مِنَ النارِ كستري إياهم بمُلاءتي هذه" فأمنَّتْ أُسْكُفَّةُ البابِ والجدرانُ، الأسكفةُ هي العتبةُ، قالتْ ءامينَ ثلاثًا ءامينَ ءامينَ ءامينَ. اللهُ تعالى بقدرتهِ خلقَ صوتًا في الأُسكفةِ وجدرانِ البيتِ الذي كانوا فيه.
العباسُ رضيَ اللهُ عنهُ كانَ أفضلَ أعمامِ الرسولِ بعدَ حمزةَ فيما نعتقدُ، كانَ لهُ أولادٌ عشرةٌ ذكور، أولهُم الفضلُ وءاخرُهم تمامٌ، لما رزقَهُ اللهُ العشرةَ قالَ:
تمُّوا بتمامٍ فصاروا عشرةْ ... يا ربِّ فاجعلْهم كرامًا بررةْ
اللهُ تعالى استجابَ دعاءَهُ فكانوا كلُّهم مِنْ خيارِ الناسِ يكفي أنَّ منهم عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ ترجمانَ القرءانِ رضيَ اللهُ عنهُ.