سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم ما هو الزمهرير؟


هل تعلم ما هو الزمهرير؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ أي وَأَعْتَدْنَا، هيّأنا لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ ﴿عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ وَهِيَ نَارٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهَا أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى احْمَرَّتْ وَأَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ وَأَلْفُ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ. مما يُقاربُ السبعينَ عامًا اكتشفَ علماءُ الفيزياءِ النوويةِ أنَّ النارَ على درجةِ معينةٍ حمراءُ، ثم إذا ازدادتِ الحرارةُ فبيضاءُ، ثم إذا ازدادتِ الحرارةُ فسوداءُ، كما قالَ الرسولُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ. إذا في الدنيا ءالمنا ضرسٌ مِنَ الأضراسِ نهرعُ إلى الطبيبِ والى المسكناتِ ونحوِ ذلكَ، هناكَ أضراسُ الكافرِ تكونُ جمرًا ولا يُخَفَّفُ عنهمُ العذابُ ولا لحظةً واحدةً، بل في ذلٍّ وعذابٍ ونكدٍ إلى ما لا نهايةَ لهُ، يحترقُ جلدُهُ يُبدَّلُ جلدًا ءاخرَ غيرَهُ ليبقى في عذابٍ مستمرٍ إلى ما لا نهايةَ لهُ. فخافوا عذابَ اللهِ وانظروا إلى مَنْ خافَ ربَّهُ العظيمَ الجبارَ وأقبلَ بهمةٍ عاليةٍ للآخرةِ، كالسيدةِ نفيسةَ الشريفةِ المنسوبةِ إلى سيدِنا رسولِ اللهِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ هذه المرأةُ الصالحةُ التي حفرتْ قبرَها في بيتِها وكانتْ تنزلُ إليهِ وتصلي وتقرأُ القرءانَ إلى أن قرأتْ ستةَ ءالافِ ختمةِ قرءانٍ قبلَ وفاتِها.
كانتْ تصومُ النهارَ وتقومُ الليلَ، وهي على فراشِ الموتِ قيلَ لها: لو أفطرتِ، قالتْ لهم: واعجبا لي منذُ ثلاثينَ سنةً أدعو اللهَ أنْ أموتَ وأنا صائمة، أُفطرُ الآنَ!؟ ما أفطرتْ.
﴿وَبِئْسَ﴾ وَهِيَ كَلِمَةُ ذَمٍّ ﴿الْمَصِيرُ﴾ أَيِ الْمَرْجِعُ أَيْ بِئْسَ الْمَآلُ وَالْمُنْقَلَبُ الَّذِي يَنْتَظِرُهُمْ وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ، أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا. عذابُ اللهِ ليسَ بأمرٍ هينٍ، جهنمُ فيها عذابٌ بالبردِ القارسِ الشديدِ أيضًا المسمى بالزمهريرِ. العذابُ في جهنمَ ليسَ فقط بالنارِ، النارُ سوداءُ مظلمةٌ وقودُها الناسُ والحجارةُ، عليها ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ لا يعصونَ اللهَ ما أمرَهم ويفعلونَ ما يُؤمرونَ.
﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا﴾ يَعْنِي إِذَا أُلْقِيَ الْكُفَّارُ فِي جَهَنَّمَ وَطُرِحُوا فِيهَا كَمَا يُطْرَحُ الْحَطَبُ فِي النَّارِ الْعَظِيمَةِ ﴿سَمِعُوا لَهَا﴾ يَعْنِي لِجَهَنَّمَ ﴿شَهِيقًا﴾ وَالشَّهِيقُ: الصَّوْتُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْجَوْفِ بِشِدَّةٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا صَوْتًا مُنْكَرًا كَصَوْتِ الْحِمَارِ، تُصَوِّتُ مِثْلَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ تَوَقُّدِهَا وَغَلَيَانِهَا. الكفارُ عندما يُرْمَوْنَ فيها يجدونَها وهي تشهقُ مِنْ شدةِ تغَيُّظِها عليهم.
﴿وَهِيَ تَفُورُ﴾ أَيْ تَغْلِي بِهِمْ كَغَلْيِّ الْمِرْجَلِ وهو قِدْرٌ مِنْ نُحَاسٍ. قالَ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريِم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [سورة النساء /56]. ويزيدُ اللهُ في حجمِ الكافرِ في النارِ ليزدادَ عذابًا حتى يكونَ ضرسُهُ كجبلِ أحدٍ، ما بينَ منكبي الكافرِ يومَ القيامةِ مسيرةُ ثلاثةِ أيامِ، ولو كانت خِلقتُهم تكونُ كما هي في الدنيا لذابوا بلحظةٍ، ولا يحيَونَ حياةً هنيئةً طيبةً بل هم دائمًا في نكدٍ وعذابٍ، وطعامُهم مِنْ ضريعٍ وهو شجرٌ كريهُ المنظرِ كريهُ الطعمِ كريهُ الرائحةِ قالَ اللهُ تعالى: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)﴾. وقالَ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)﴾.
وهذه الشجرةُ منظرُها قبيحٌ جدًا، رائحتُها كريهةٍ جدًا لا تُطاقُ، لكن هم مِنْ شدةِ اضطرارِهم ومن شدةِ جوعِهم وحرمانِهم كأنهم يأكلونَهُ بدونَ اختيارٍ، ملائكةُ العذابِ يُطعمونَهُم مِنْ هذا، وكذلكَ يأكلُ أهلُ النارِ مِنَ الغسليِن قالَ اللهُ تعالى: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ (37)﴾.[سورة الحاقة]