سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

لا خلل ولا تفاوت في خلق الله للمخلوقات


لا خلل ولا تفاوت في خلق الله للمخلوقات
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ أَيْ أَوْجَدَ وَأَبْرَزَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ ﴿سَبْعَ سَمٰوَاتٍ طِبَاقًا﴾ أَيْ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ بالمحاذاةِ مِنْ غيرِ أن تتصلَ واحدةٌ منها بالأخرى، بل بينَ كلِّ سماءٍ وسماءٍ بُعدٌ شاسِعٌ ومسافةٌ واسعةٌ، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، بحَيثُ يكونُ كلُّ جُزءٍ منها مُطَابقًا للجُزءِ مِنَ الأخرَى ولا يكونُ جُزءٌ منها خَارجًا عن ذلكَ. وقد وصفَ اللهُ السماءَ بأنهُ هو الذي جعلَها فوقَنا كالبناءِ، قالَ عزَّ وجلَّ: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)﴾ أي أنَّ اللهَ جعلَ مقدارَ ذهابِها في العلوِّ مديدًا رفيعًا مسيرةَ خمسِمائةِ عامٍ بينَ الأرضِ والسماءِ، وكذا بينَ كلِّ سماءٍ وسماءٍ إلى سبعِ سمواتٍ. السماءُ الأولى تليها الثانيةُ ثم الثالثةُ ثم الرابعةُ وهكذا إلى السابعةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الإِسْرَاءِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
﴿مَّا تَرَى﴾ يَا ابْنَ ءَادَمَ ﴿فِي خَلْقِ الرَّحْمٰنِ﴾ العزيزِ الحكيمِ، و"الرحمنُ" مِنَ الأسماءِ الخاصةِ باللهِ أي أنَّ اللهَ شملتْ رحمتُهُ المؤمنَ والكافرَ في الدنيا، وهو الذي يرحمُ المؤمنينَ فقط في الآخرةِ، ﴿مِنْ تَفَاوُتٍ﴾، قَالَ الْبُخَارِيُّ: "التَّفَاوُتُ: الاخْتِلافُ، وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ"، وَحَقِيقَةُ التَّفَاوُتِ عَدَمُ التَّنَاسُبِ كَأَنَّ بَعْضَ الشَّىْءِ يَفُوتُ بَعْضًا وَلا يُلائِمُهُ، وَالْمَعْنَى: مَا تَرَى يَا ابْنَ ءَادَمَ فِي شَىْءٍ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنِ اعْوِجَاجٍ وَلا تَنَاقُضٍ وَلا عَيْبٍ وَلا خَطَإٍ لأنها مُحكَمةُ الخَلق، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ لا يَخْتَلِفُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ مِنْ حَيْثُ الشَّكْلُ وَالصِّفَةُ، فَالاخْتِلافُ هُنَا الْمُرَادُ بِهِ مَا يُنَاقِضُ الْحِكْمَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَالِقِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَكِيمٌ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَبَثُ وَالسَّفَهُ، بل خَلْقُ السمواتِ جميعًا وكلِّ شىءٍ خلقَهُ تعالى بحكمةٍ ولَـم يَخْلُقْ شيئًا منها عبثًا.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: ﴿مِنْ تَفَوُّتٍ﴾ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِأَلِفٍ.
ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنْ يَنْظُرُوا فِي خَلْقِهِ لِيَعْتَبِرُوا بِهِ فَيَتَفَكَّرُوا فِي قُدْرَتِهِ فَقَالَ:﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ﴾ أَيْ كَرِّرِ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَتَأَمَّلْهَا ليتّضِحَ لكَ ذلك بالمعاينَةِ ولا يبَقى عندَك شُبهَةٌ، ﴿هَلْ تَرَى﴾ فِيهَا يَا ابْنَ ءَادَمَ ﴿مِنْ فُطُورٍ﴾ أَيْ مِنْ شُقُوقٍ وَصُدُوعٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ خَلَلٍ، وَالْفُطُورُ: الشُّقُوقُ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَهِشَامٌ فِي الْمَشهُورِ عَنْهُ: ﴿هَل تَّرَى﴾ بِإِدْغَامِ اللامِ فِي التَّاءِ.
والسمواتُ التي خلقَها اللهُ عظيمةَ الخِلقةِ تدلُّ على عَظَمةِ قدرةِ البارئِ عزَّ وجلَّ، فسَمْكُ السماءِ الواحدةِ مسافةُ خمسِمائةِ عام، وكلُّها مشحونةٌ بالملائكةِ الذينَ يعبدونَ اللهَ ويقدسونَهُ ولا يَفْتُرُونَ عَنْ ذكرهِ، قد وردَ أنَّ المسافةَ التي بينَ سماءٍ وسماءٍ مسافةُ خمسِمائةِ عامٍ، وكذلكَ المسافةُ ما بينَ أرضٍ وأرضٍ، فالسمواتُ السبعُ متراكبةٌ بعضُها فوقَ بعضٍ وكلُّ واحدةٍ منفصلةٌ عَنِ الأخرى وكذلكَ الأراضي السبعُ