سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن الأنامل مستنطقات يوم القيامة؟


هل تعلم أن الأنامل مستنطقات يوم القيامة؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قالَ اللهُ تعالى في وصفِ القيامةِ: ﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)﴾ وذلكَ لأنهُ تظهرُ فيهِ أمورٌ عجيبةٌ تُذهلُ العقولَ يُسَرُّ فيهِ خلقٌ سرورًا عظيمًا، ويُهانُ فيهِ خلقٌ كثيرٌ، يفتضحونَ ويُذلُّونَ.
من جملةِ عجائبِ يومِ القيامةِ كما مرَّ معنا أنَّ الأرضَ تنطقُ تشهَدُ على كلِّ إنسانٍ بما عَمِلَ عليها مِنْ خيرٍ وشرٍّ، اللهُ تعالى يُنطقُها يخلقُ فيها قدرةَ الكلامِ فتقولُ: فلانٌ عَمِلَ في يومِ كذا، كذا وكذا مِنْ خيرٍ وشرٍّ تشهدُ عليهِ. لذلكَ الرسولُ عليهِ السلامُ قالَ ذاتَ يومٍ للنساءِ: "عليكُنَّ بالتقديسِ والتهليلِ والتسبيحِ واعقِدنَ عليهَا الأناملَ فإنهنَّ مَسئولاتٌ مستنطقاتٌ". أي أنَّ اللهَ تعالى يومَ القيامةِ يسألُ أناملَ الشخصِ، ماذا عَمِلَ بها؟ تشهدُ فتنطقُ: عملَ كذا وكذا، إن عملَ بها الحسناتِ، التسبيحَ والتقديسَ والتهليلَ تشهدُ بذلكَ، وإنْ عملَ بها المعاصيَ كذلك تشهدُ.
يومَ القيامةِ تظهرُ فيه عجائبُ تُذهلُ العقولَ، الأرضُ بعدما تُبدَّلُ ويُعادُ الناسُ إليها_ إلى الأرضِ الجديدةِ_ كلُّ أرضٍ كان يعملُ عليها الإنسانُ الخيرَ أو الشرَّ اللهُ تعالى يُظهرُها فتشهدُ لصاحبِها بما عملَ مِنْ خيرٍ عليها وبما عملَ عليها من شرٍّ، القطعةُ التي كانَ هو عملَ عليها الحسناتِ الخيرَ، أو التي عملَ عليها المعاصيَ تنطقُ بقدرةِ اللهِ، هي تنطقُ بقدرةِ اللهِ.
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) [سورة الأنعام] قالَ مجاهدٌ في هذهِ الآيةِ: إذا جمعَ اللهُ الخلائقَ ورأى المشركونَ سعةَ رحمةِ اللهِ وشفاعةَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ للمؤمنينَ، قالَ بعضُهم لبعضٍ تعالوا نَكتُمُ الشركَ لعلَّنا ننجو مع أهلِ التوحيدِ. فإذا قالَ لهم اللهُ:﴿أينَ شركاؤكم الذينَ كنتم تتزعمون(22)﴾[سورة الأنعام] قالوا:﴿واللهِ ربِّنا ما كنا مشركينَ﴾ فيختمُ اللهُ على أفواهِهم فتشهدُ عليهم جوارحُهم. مَنْ تَابَ تَوْبَةً صَحِيحَةً أَعْضَاؤُهُ والأَرْضُ لا يَشْهَدُونَ عَلَيهِ بِمَا كَانَ فَعَلَهُ مِن المَعَاصِي، كأنَّهُ مَا عَمِلَ، التَّائِبُ مِن الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ، إنَّمَا الخَطَرُ علَى مَن مَاتَ وَلَم يَتُبْ، هذَا الذِي تَشْهَدُ علَيهِ الأَرْضُ بِمَا عَمِلَ عَلَيها.
ووردَ في البخاريِّ أنَّ قومَ نوحٍ عندما يُسألونَ هل بَلَّغكم نوحٌ؟ يقولونَ: ما جاءَنا نذيرٌ، يَكذبونَ.
أما أمةُ الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيشهدونَ للأنبياءِ أنهم بلَّغوا، وهذا معنى الآيةِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾. معناهُ لو كانتْ أمةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ أمةِ موسى وقبلَ أمةِ يعقوبَ وقبلَ أمةِ نوحٍ وقبلَ أمةِ إبراهيمَ لكانت أممُ الأنبياءِ الذينَ جاءوا بعدَهم عرفوا بأخبارِ أمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعرفوا ما حصلَ مِنْ بعضِهم من مساوئَ، ولكنْ أمةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ هي ءاخرُ الأممِ وأمةُ محمدٍ عرفتْ مساوئَ مَنْ مضى، لكنَّ اللهَ لم يفضحْ أمةَ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على مَنْ سواهم؛ لأنَّهم هم ءاخرُ الأممِ.
وقد جعلَ اللهُ أمةَ محمدٍ يومَ القيامةِ شهداءَ؛ لأنَّ اللهَ يسألُ الأنبياءَ: هل بَلَّغْتُم ما أَرْسَلْتُكم بهِ؟ فيقولونَ: نعم قد بلَّغنا، ليسَ لأنَّ اللهَ سبحانَه وتعالى لا يعلمُ إذا كانَ الأنبياءُ بلَّغوا أو لم يُبلغوا؟ لا، وإنما النبيونَ يكونونَ شهداءَ على مَنْ كفرَ في الدنيا، يعني قد جاءَهم النذيرُ بلَّغَهم وأنذرَهم عقابَ يومِ القيامةِ ومعَ ذلك كفروا. يومَ القيامةِ بعضُ الكفارِ يقولُ: "ما جاءَنا مِنْ نذيرٍ" يعني ينكرونَ مجيءَ الأنبياءِ إليهم فيُكذبُهم ذلك النبيُّ فيقولُ: "قد بلغتُ يا ربُّ" فيقولُ "مَنْ يشهدُ لك؟ يعني يقولُ للنبيِّ مَنْ يشهدُ لكَ أنك قد بلغتَ؟ فيقولُ: أمةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، معناهُ أمةُ محمدٍ تشهدُ للأنبياءِ الذينَ بعثَهمُ اللهُ تعالى أنهم كلَّهم ماذا فعلوا؟ بلغوا الرسالةَ، ولا واحدٌ منهم قصَّرَ في الرسالةِ ولا واحدٌ منهم تركَ الدعوةَ إلى اللهِ، كلُّ الأنبياءِ بلَّغوا ما أمرَهم اللهُ بهِ. فالنبيُّ يُكذِّبُ الذينَ كفروا أنني قد أنذرتُكم، وأمةُ محمدٍ يشهدونَ للنبيِّ أنهُ ماذا فعلَ؟ قد بلَّغَ الرسالةَ، فإذًا أمةُ محمدٍ شهداءُ يومَ القيامةِ للأنبياءِ ويشهدونَ فضيحةَ الكفارِ؛ لأنّهُ عندهم علمٌ بما حصلَ للأممِ الماضينَ.
أليسَ وصلَ إلينا خبرُ أنَّ الكفارَ من بني اسرائيلَ عبدوا العجلَ؟ بلى، عبدوا العجلَ. فنحنُ أمةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ نشهدُ يومَ القيامةِ لموسى عليهِ السلامُ أنهُ بلَّغَ الرسالةَ كما أمرَهُ اللهُ تباركَ وتعالى، ولكنْ هؤلاءِ الكفارُ عبدوا العجلَ، هم كذَّبوا ذلك النبيَّ، وليسَ النبيُّ ما بلَّغهم.
فلأنَّ أمةَ محمدٍ عندَهم علمٌ بما حصلَ للأممِ الماضينَ يشهدونَ للأنبياءِ أنهم بلَّغوا أممَهم، فتظهرُ فضيحةُ الكفارِ.
أمةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تشهدُ لعيسى عليهِ السلامُ أنهُ بلَّغَ الرسالةَ، تشهدُ لعيسى عليهِ السلامُ أنهُ دعا الى عبادةِ اللهِ الواحدِ الأحدِ، تشهدُ لعيسى عليهِ السلامُ أنّهُ قالَ:﴿اعبدوا اللهَ ربِّي وربَّكم﴾ [سورة المائدة/72] ويشهدونَ فضيحةَ الكفارِ الذينَ كذَّبوا عيسى وقالوا لهُ: أنتَ ابنُ الإلهِ.
أما أمةُ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فلا يشهدُ عليهم أحدٌ مِنَ الأممِ الماضيينَ، لماذا؟ لأنَّ أمةَ محمدٍ ءاخرُ الأممِ. وقد وردَ في صحيحِ البخاريِّ ومسلمٍ وغيرِهما أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: "نَحْنُ الآخِرونَ السَّابِقونَ" رواهُ البخاريُّ، أي نحنُ الآخِرونَ وُجودًا في الدنيا السَّابِقونَ دُخولا الجنَّةَ، أي في دخولِ الجنةِ، أمةُ محمدٍ هم السابقونَ فيدخلُ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الجنةَ قبلَ غيرهِ مِنَ الأنبياءِ، ثم يدخلُ الأنبياءُ عليهمُ السلامُ، ثم بعدَ ذلكَ يدخلُ أمةُ محمدٍ الجنةَ قبلَ غيرِهم منَ أممِ الأنبياءِ.