سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

سلام عليه يوم يموت ويوم يبعث


سَلَامٌ عَلَى يَـحْيَى
تعلّم معنى ءاية - من قصص الأنبياء
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ وَهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَـحْيَى صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ العَطْفَ وَالشَّفَقَةَ وَطَهَارَةً مِنَ الذُّنُوبِ، كَمَا كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ، مُـحْسِنًا إِلَيْهِمَا، وَلَمْ يَـجْعَلْهُ اللهُ مُتَكَبِّـرًا عَاقًّا لَـهُمَا أَوْ عَاصِيًا لِرَبِّهِ، يَتَّقِي اللهَ وَيَـخَافُهُ. ثُمَّ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ الدَّائِمِ وَالنَّعِيمِ الأَبَدِيِّ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [سُورَة مَرْيَـم/15] السَّلَامُ هُوَ الثَّنَاءُ، أَثْنَى اللهُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَبَعْدَ الـمَوْتِ فِي الآخِرَةِ، وَسَلَامٌ مِنَ اللهِ عَلَى يَـحْيَى وَأَمَانٌ لَهُ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَـمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ مِنْ قَبْـرِهِ حَيًّا.
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الـمَوَاطِنُ الثَّلَاثَةُ: «الوِلَادَةُ وَالـمَوْتُ وَالبَعْثُ حَيًّا» أَشَقَّ مَا تَكُونُ عَلَى ابنِ آدَمَ رَخَّصَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ يَـحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهَا بِالكَرَامَةِ وَالسَّلَامَةِ فِي هَذِهِ الـمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ، فَقَدْ قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ إِنَّـهَا أَوْحَشُ الـمَوَاطِنِ، إِنَّ أَوْحَشَ مَا يَكُونُ الإِنْسَانُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ، يَوْمَ يُولَدُ فَيَـرَى نَفْسَهُ خَارِجًا مِـمَّا كَانَ فِيهِ، وَيَوْمَ يَـمُوتُ فَيَـرَى قَوْمًا لَمْ يَكُنْ عَايَنَهُمْ، وَيَوْمَ يُبْعَثُ فَيَـرَى نَفْسَهُ فِي مَـحْشَرٍ لَمْ يَرَهُ، فَهَذِهِ الأَوْقَاتُ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَوْحَشُ مَا تَكُونُ عَلَى الإنْسَانِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنْ عَالَمٍ إِلَى عَالَمٍ آخَرَ فَيَفْقِدُ الأَوَّلَ بَعْدَمَا كَانَ أَلِفَهُ وَعَرَفَهُ، وَيَصِيـرُ إِلَى الآخَرِ وَلَا يَدْرِي مَا بَيْـنَ يَدَيْهِ، وَلِـهَذَا يَسْتَهِلُّ الطِّفْلُ صَارِخًا إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْـنِ الأَحْشَاءِ وَفَارَقَ لِينَهَا، وَيَنْتَقِلُ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا لِيُكَابِدَ هُمُومَهَا وَغَمَّهَا، وَإِذَا فَارَقَ هَذِهِ الدَّارَ وَانْتَقَلَ إِلَى عَالَمِ البَـرْزَخِ وَصَارَ بَعْدَ الدُّورِ وَالعِيشَةِ الَّتِي أَلِفَهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ إِلَى عَرْصَةِ الأَمْوَاتِ سُكَّانِ القُبُورِ وَانْتَظَرَ هُنَاكَ النَّفْخَةَ فِي الصُّورِ لِيَوْمِ البَعْثِ وَالنُّشُورِ فَمِنْهُمْ مَسْرُورٌ وَمَـحْبُورٌ وَمِنْهُمْ مَـحْزُونٌ وَمَبْثُورٌ، فَرِيقٌ فِي الـجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيـرِ لِذَلِكَ يَقُولُ أَحَدُ الشُّعَرَاءِ:
وَلَدَتْكَ أُمُّكَ بَاكِيًّا مُسْتَصْرِخًا ***** وَالنَّاسُ حَوْلَكَ يَضْحَكُونَ سُرُورا
فَاحْرِصُ لِنَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ إِذَا بَكَوْا ***** فِي يَوْمِ مَوْتِكَ ضَاحِكًا مَسْرُورا
وَكَانَ نَبِيُّ اللهِ يَـحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أُمِرَ بِـخَمْسِ كَلِمَاتٍ، أَنْ يَعْمَلَ بِـهِنَّ وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالـحِكْمَةِ وَالـمَوْعِظَةِ الـحَسَنَةِ أَنْ يَعْمَلُوا بِـهِنَّ، فَجَمَعَ يَـحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ فِي بَيْتِ الـمَقْدِسِ حَتَّى امْتَلَأَ بِـهِمُ الـمَسْجِدُ فَقَعَدَ مُشْرِفًا عَلَيْهِمْ، فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِـخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِـهِنَّ وَأَنْ آمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِـهِنَّ، أُولَاهُنَّ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَآمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثْيـرًا، وَإنَّ العَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْـرُهُ.
وَسُبْحَانَ اللهِ وَالـحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيـنَ،
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيـرًا وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.