سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

وءاتيناه الحكم صبيا


وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
تعلّم معنى ءاية - من قصص الأنبياء
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

أَمَّا بَعْدُ فَلَمَّا بَشَّرَ الـمَلَكُ زَكَرِيَّا «بِيَحْيَى» عَلَيْهِمَا السَّلَامُ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِـحِيـنَ طَلَبَ زَكَرِيَّا مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَـجْعَلَ لَهُ عَلَامَةً عَلَى وُجُودِ الـحَمْلِ تَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ عِنْدَ زَوْجَتِهِ لِزِيَادَةِ اطْمِئْنَانِهِ وَاسْتِعْجَالًا لِلسُّرُورِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ مَرْيَـمَ إِخْبَارًا عَنْ نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي ءَايَةً﴾ فَاسْتَجَابَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سُؤَالَهُ وَجَعَلَ عَلَامَةَ وُجُودِ الـحَمْلِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَّا رَمْزًا وَسَيُحْبَسُ لِسَانُهُ إِلَّا عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَشُكْرِهِ عَلَى قَضَاءِ حَقِّ تِلْكَ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ. ﴿قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)﴾ فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُكَلِّمُ النَّاسَ بِيَدِهِ وَبِالإِشَارَةِ مِنْ غَيْـرِ عِلَّةٍ وَلَا خَرَسٍ وَلَا مَرَضٍ وَلَا آفَةٍ، فَإِذَا أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَذْكُرَ اللهَ انْطَلَقَ لِسَانُهُ بِـمَشِيئَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ، فَهُوَ الَّذِي يُنْطِقُ مَنْ يَشَاءُ.
﴿فَخَرَجَ﴾ نَبِيُّ اللهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ مِنْ مُصَلَّاهُ وَهُوَ الـمَكَانُ الَّذِي بُشِّرَ فِيهِ بِالوَلَدِ، مَسْرُورًا بِالبِشَارَةِ الَّتِي بَشَّرَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِـهَا بِوَاسِطَةِ الـمَلَكِ جِبْـرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ﴿فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)﴾ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: أَنْ سَبِّحُوا اللهَ صَبَاحًا وَمَسَاءً شُكْرًا لَهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: إِنَّ سَيِّدَنَا زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرَجَ إِلَى قَوْمِهِ وَرَمَزَ إِلَيْهِمْ وَأَشَارَ إِلَيْهِمْ آمِرًا بِالصَّلَاةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا.
فَلَمَّا كَبُـرَ يَـحْيَى وَبَلَغَ مَبْلَغًا يَفْهَمُ فِيهِ الـخِطَابَ، أَمَرَهُ اللهَ أَنْ يَأْخُذَ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَالـمُرَادُ التَّوْرَاةُ، بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ يَعْنِي خُذِ التَّوْرَاةَ بِـجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ بِـحِفْظِ أَلْفَاظِهَا، وَفَهْمِ مَعَانِيهَا، وَتَطْبِيقِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامٍ وَآدَابٍ، لِأَنَّ فَائِدَةَ العِلْمِ فِي العَمَلِ، فَالإِنْسَانُ إِذَا عَلِمَ وَعَمِلَ يَكُونُ عَمَلُهُ عَلَى بَصِيـرَةٍ، وَإِذَا كَانَ بِـخِلَافِ ذَلِكَ كَانَ العِلْمُ وَبَالًا عَلَيْهِ.
فَعَلَّمَهُ وَالِدُهُ التَّوْرَاةَ وَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِ الـمَقْدِسِ مُـحَرَّرًا أَيْ مُتَفَرِّغًا لِعِبَادَةِ اللهِ وَخِدْمَةِ بَيْتِ الـمَقْدِسِ، وَكَانَ يُصَلِّي وَيَصُومُ فِي حَالِ طُفُولَتِهِ، وَيَدْعُو إِلَى اللهِ بِقُوَّةٍ وَجِدٍّ.
ثُمَّ إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ فِيهِ مِنَ الذَّكَاءِ وَالفِطْنَةِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْـرِهِ وَلِـهَذَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)﴾ مَعْنَاهُ أَعْطَيْنَاهُ الـحِكْمَةَ وَحُسْنَ الفَهْمِ أَيْ مَعْرِفَةَ أَحْكَامِ اللهِ وَالـحُكْمَ بِـهَا، وَهُوَ صَغِيـرُ السِّنِّ. وَكَانَ الصِّبْيَانُ يَقُولُونَ لَهُ فِي صِغَرِهِ: اذْهَبْ بِنَا نَلْعَبُ، فَيَقُولُ: مَا لِلَّعِبِ خُلِقْنَا.
وَكَانَ طَعَامُهُ العُشْبَ الـمُبَاحَ، وَلِبَاسُهُ الوَبْرَ، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَسَنَ الوَجْهِ، كَثِيـرَ العِبَادَةِ قَوِيًّا فِي طَاعَةِ اللهِ، وَمُنْذُ صِغَرِهِ كَانَ يَعِظُ النَّاسَ وَيَقِفُ لَـهُمْ فِي أَعْيَادِهِمْ وَجُمَعِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى دِينِ الإِسْلَامِ وَيُعَلِّمُهُمُ الأَحْكَامَ، لَا يَـخْشَى فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَلَا يَهَابُ صَوْلَةَ عَاتٍ ظَالِـمٍ.
اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا جَهِلْنَا وَذَكِّرْنَا مَا نَسِينَا، وَاجْعَلِ القُرْءَانَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورًا لِأَبْصَارِنَا وَجَوَارِحِنَا، وَتَوَفَّنَا عَلَى هَدْيِهِ وَأَكْرِمْنَا بِـحِفْظِهِ، وَاحْفَظْنَا بِبَـرَكَتِهِ وَبَرَكَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.