سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

واذكر يا محمد زكريا


واذكر يا محمد زكريا
تعلّم معنى ءاية - من قصص الأنبياء
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [سُورَة يُوسُف/111]. وَكَانَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ الكِرَامِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى دِينِ اللهِ الإِسْلَامِ وَعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَيُـخَوِّفُهُمْ عَذَابَهُ فِي وَقْتٍ اشْتَدَّ فِيهِ الفِسْقُ وَالفُجُورُ وَانْتَشَرَتْ فِيهِمُ الـمَفَاسِدُ وَالـمُنْكَرَاتُ، وَتَسَلَّطَ فِيهِ عَلَى الـحُكْمِ مُلُوكٌ فَسَقَةٌ ظَلَمَةٌ جَبَابِرَةٌ يَعِيثُونَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَيَفْعَلُونَ الـمُوبِقَاتِ وَالـجَرَائِمَ وَلَا يُرَاعُونَ حُرْمَةً لِنَبِيِّهِمْ.
وَلَقِيَ نَبِيُّ اللهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَحُكَّامِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ الأَذَى الكَثِيـرَ، وَتَوَالَتْ عَلَيْهِ الأَهْوَالُ العِظَامُ فَصَبَـرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الصَّبْـرَ الـجَمِيلَ حَتَّى وَهَنَ العَظْمُ مِنْهُ وَضَعُفَ وَخَارَ وَاشْتَعَلَ الشَّيْبُ فِي رَأْسِهِ.
وَقَدْ كَانَ نَبِيُّ اللهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ أَنْ يُكْرِمَهُ اللهُ بِالرِّسَالَةِ وَيَـخْتَارَهُ لِإِنْقَاذِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَشْتَغِلُ بِالنِّجَارَةِ، وَيَصْنَعُ كُلَّ مَا يَـحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ فِي حَيَاتِـهِمْ مِنْ خَزَائِنَ وَرُفُوفٍ وَأَلْوَاحٍ وَغَيْـرِهَا، وَقَدْ سَهَّلَ اللهُ عَلَيْهِ هَذِهِ الـحِرْفَةَ الَّتِي كَانَ يَتَقَوَّتُ بِـهَا، فَهُوَ يُـحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَـمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا مُـخْلِصًا للهِ فِي عِبَادَتِهِ، مُتَفَانِيًا فِي طَاعَتِهِ، وَمُـجْتَنِبًا مَعَاصِيَهُ، بَلْ إِنَّ مَنْزِلَتَهُ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ، إِنَّهُ نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ بِطَاعَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ بِاللهِ، وَيَعِظُهُمْ وَيَنْصَحُهُمْ، وَمَهَامُّهُ مِنْ أَعْظَمِ الـمَهَامِّ، وَهَلْ هُنَاكَ أَعْظَمُ مِنْ مَهَامِّ الأَنْبِيَاءِ؟! ذَلِكَ أَنَّـهُمْ أُمِرُوا أَنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ أَمْرَ دِينِهِمْ وَيُعَلِّمُوهُمْ مَا يُصْلِحُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِـهِمْ، فَمَا مِنْ خَيْـرٍ إِلَّا وَبَيَّنُوهُ لَـهُمْ لِيَفْعَلُوهُ، وَمَا مِنْ شَرٍّ إِلَّا وَحَذَّرُوهُمْ مِنْهُ لِيَجْتَنِبُوهُ.
يَقُولُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِي القُرْءَانِ الكَرِيـمِ: ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)﴾ [سُورَة الأَنْبِيَاء]، وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ زَكَرِيَّا حِيـنَ نَادَى رَبَّهُ ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي﴾ وَحِيدًا ﴿فَرْدًا﴾ لَا وَلَدَ لِي وَلَا عَقِبَ ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾، يَقُولَ: فَارْزُقْنِي وَارِثًا مِنْ آلِ يَعْقُوبَ يَرِثُنِي، ثُمَّ رَدَّ الأَمْرَ إِلَى اللهِ فَقَالَ: وَأَنْتَ خَيْـرُ الوَارِثِيـنَ، يَقُولُ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَاسْتَجَبْنَا لِزَكَرِيَّا دُعَاءَهُ، وَوَهَبَنَا لَهُ يَـحْيَى وَلَدًا وَوَارِثًا يَرِثُهُ، وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ. هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيـمَةُ فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ زَكَرِيَّا وَاسْتِجَابَةِ اللهِ لَهُ وَهِبَتِهِ لَهُ ابْنًا رَغْمَ شَيْخُوخَتِهِ وَعُقْمِ زَوْجَتِهِ لِأَنَّـهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي عَمَلِ الـخَيْـرِ وَيَدْعُونَ رَبَّـهُمْ رَاجِيـنَ رِضَاءَهُ خَائِفِيـنَ مِنْ غَضَبِهِ وَكَانُوا خَاشِعِيـنَ لَهُ.
فَعَلَيْكَ إِذًا بِالِابْتِهَالِ إِلَى اللهِ لِـحُصُولِ مَا تَطْلُبُهُ كَمَا فَعَلَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَعَ تَـحَرِّي الأَوْقَاتِ الَّتِي تُظَنُّ فِيهَا اسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ، وَأَكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)﴾ [سُورَة نُوح].
اللَّهُمَّ فَقِّهْنَا فِي دِينِنَا وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا
وَانْفَعْنَا بِـمَا عَلَّمْتَنَا وَزِدْنَا عِلْمًا يَا رَبَّ العَالَمِيـنَ