سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن الله قهر الإنسان بالموت؟


هل تعلم أن الله قهر الإنسان بالموت؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ أَيِ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ في الدُّنيا، وهو الموتُ القَاطعُ للحَياةِ الدّنيَويّةِ وَخلقَ الْحَيَاةَ في الآخِرة، فَأَمَاتَ مَنْ شَاءَ، وَأَحْيَا مَنْ شَاءَ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَجَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ حَيَاةٍ وَدَارَ فَنَاءٍ، وَجَعَلَ الآخِرَةَ دَارَ جَزَاءٍ وَبَقَاءٍ. ولا شىءَ يخلقُ شيئًا إلا اللهُ قالَ اللهُ تعالى: ﴿هل مِنْ خالقٍ غيرُ اللهِ﴾.
قالَ اللهُ تعالى: ﴿إنكَ ميِّتٌ وإنهم ميِّتونَ﴾ [سورة الزمر/30]. أي إنكَ يا محمدُ ستموتُ وإنهم سيموتونَ. وروى الطبرانيُّ أنَّ سيدَنا جبريلَ جاءَ إلى الرسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ لهُ: "يا محمدُ عِشْ ما شئتَ فإنكَ ميتٌ، وأحبِبْ مَنْ شئتَ فإنكَ مُفارقُهُ". والإنسانُ قهرَهُ اللهُ بالموتِ، أيُّ مَلِكٍ وأيُّ إنسانٍ رُزِقَ عمرًا طويلا لا يملكُ لنفسِهِ أن يحميَ نفسَهُ مِنَ الموتِ فلا بدَّ أن يموتَ، كما أنَّ اللهَ قَهرَ العرشَ الذي هو أعظمُ المخلوقاتِ، فالعرشُ تحت تصرُّفِ اللهِ هو خلقَهُ وهو يحفظُهُ، يحفظُ عليهِ وجودَهُ ولولا حفظُ اللهِ تعالى له لهوَى إلى الأسفلِ فتحطَّمَ، فاللهُ تعالى هو أوجدَهُ ثم هو حفظَهُ وأبقاهُ، هذا معنى قَهَرَ العرشَ، هو سبحانَهُ قاهرُ العالمِ كلّهِ. هذا العرشُ الذي هو أوسعُ مِنَ الأرضِ والسمواتِ بملايينِ المراتِ اللهُ تعالى أوجدَهُ، لم يكن موجودًا فأوجدَهُ ثم أمسكَهُ في ذلكَ المكانِ بقدرتهِ، لولا أنَّ اللهَ أبقاهُ هناكَ ما ثبتَ ثانيةً كانَ هوى إلى أسفلَ ودمَّرَ ما تحتَهُ، وهذهِ السمواتُ السبعُ التي بينَنا وبينَ العرشِ كذلكَ لولا أنَّ اللهَ أثبَتها أمسكَها في مكانِها ما ثبتتْ لحظةً كانت هوَتْ إلى أسفلَ، وهذه الأرضُ كذلكَ هو بقدرتهِ أمسكَها، لولا أنَّ اللهَ أمسكَها في مركزِها كانت هوَتْ، هي في الفراغِ تحتَها فراغٌ وهنا فوقَها إلى السماءِ فراغٌ، وهذهِ الشّمسُ والقمرُ والنّجومُ لولا أنَّ اللهَ يحفظُها على هذا النّظامِ الذي هي قائمةٌ عليهِ لكانتْ تهاوَتْ وحطَّمَ بعضُها بعضًا واختلَّ نظامُ العالمِ.
﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ أَيْ لِيَمْتَحِنَكُمْ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَيُظْهِرَ مِنْكُمْ مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْكُمْ فَيُجَازِيَكُمْ عَلَى عَمَلِكُمْ، أما هو فعالمٌ في الأزلِ قبلَ أن يخلقَنا بما نتطورُ إليهِ مِنَ التطوراتِ، من حيثُ الجسمُ ومن حيثُ الأعمالُ والأخلاقُ. فاللهُ عالمٌ بأحوالِ عبادِه جملةً وتَفصِيلا لا يَظهَرُ لهُ شىءٌ كانَ خَافيًا عليهِ.
﴿أَيُّكُمْ﴾ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿أَحْسَنُ عَمَلا﴾ أَيْ عمَلُهُ أحسَنُ مِنْ عمَلِ غَيرِه وأَطْوَعُ، وَإِلَى طَلَبِ رِضَاهُ أَسْرَعُ، أَوْ أَيُّكُمْ أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ، فَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَعْطَاكُمُ الْحَيَاةَ الَّتِي تَقْدِرُونَ بِهَا عَلَى الْعَمَلِ، وَسَلَّطَ عَلَيْكُمُ الْمَوْتَ الَّذِي هُوَ دَاعِيكُمْ إِلَى اخْتِيَارِ الْعَمَلِ الْحَسَنِ عَلَى الْقَبِيحِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ وَرَاءَهُ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ الَّذِي لا بُدَّ مِنْهُ،﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الْغَالِبُ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ انْتِقَامُهُ مِمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ ﴿الْغَفُورُ﴾ لِمَنْ تَابَ إليه مِنْ ذُنُوبِهِ ولِمن لَـم يتُبْ مِنْ عصاةِ المسلمينَ إنْ شاءَ أنْ يغفرَ لهُ.