سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم ما هو اكبر الظلم؟


هل تعلم ما هو اكبر الظلم؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ، اللَّهُ ﴿هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ﴾ أي خلَقَكُم أَيْ بَثَّكُمْ وَفَرَّقَكُمْ ﴿فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أَيْ تُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُجْمَعُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى خَلْقِكُمْ مِنَ الْعَدَمِ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِكُمْ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ وَالْحَشْرِ.
﴿وَيَقُولُونَ﴾ أَيِ الْمُشْرِكُونَ الْمُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ للمؤمنينَ ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ أَيْ مَتَى يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَمَتَى هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي تَعِدُونَنَا بِهِ ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي وَعْدِكُمْ إِيَّانَا مَا تَعِدُونَنَا، وَهَذَا اسْتِهْزَاءٌ مِنْهُمْ، فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
﴿قُلْ﴾ أَيْ يَا مُحَمَّدُ، ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ﴾ بِوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ لا يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْرُهُ، ﴿وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ﴾ لَكُمْ أُنْذِرُكُمْ عَذَابَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ ﴿مُّبِينٌ﴾ أَيْ أُبَيِّنُ لَكُمُ الشَّرَائِعَ.
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ﴾ أَيْ فَلَمَّا رَأَى هَؤُلاَءِ الْمُشْرِكُونَ الْعَذَابَ الْمَوْعُودَ بِهِ فِي الآخِرَةِ ﴿زُلْفَةً﴾ أَيْ قَرِيبًا مِنْهُمْ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ظَهَرَ فِيهَا السُّوءُ وَالْكَآبَةُ وَغَشِيَهَا السَّوَادُ كَمَنْ يُسَاقُ إِلَى الْقَتْلِ، ﴿وَقِيلَ﴾ أَيْ تَقُولُ لَهُمُ الزَّبَانِيَةُ الخزَنَةُ تَوبيخًا لهم:
﴿هَذَا﴾ الْعَذَابُ ﴿الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ﴾ أَيْ تَفْتَعِلُونَ مِنَ الدُّعَاءِ أَيْ تَتَمَنَّوْنَ وَتَسْأَلُونَ تَعْجِيلَهُ وَتَقُولُونَ: ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا، أَوْ هُوَ مِنَ الدَّعْوَى أَيْ كُنْتُمْ بِسَبَبِهِ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ لا تُبْعَثُونَ إِذَا مِتُّمْ.
قالَ اللهُ تعالى إخبارًا عَنِ المشركينَ ﴿إنَّهُم﴾ أي إنَّ هؤلاءِ المشركينَ ﴿يَرَونَهُ﴾ أي يرونَ العذابَ أو يومَ القيامةِ ﴿بعيدًا﴾ أي غيرَ كائنٍ ولا واقعٍ، وإنما أخبرَ اللهُ عزَّ وجل أنهم يرونَهُ بعيدًا؛ لأنهم كانوا لا يُصدقونَ به، ِ وينكرونَ البعثَ بعدَ المماتِ والثوابَ والعقابَ. ﴿ونراهُ﴾ هذه النونُ نونُ المتكلمِ المعظمِ نفسَه، ُ وهو اللهُ سبحانَهُ وتعالى، والمعنى: ونعلمُهُ ﴿قريبًا﴾ وقوعُهُ أي واقعًا لا محالةَ، وكلُّ ما هو ءاتٍ قريبٌ.
فَائِدَةٌ: قَرَأَ يَعْقُوبُ: ﴿بِهِ تَدْعُونَ﴾ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَسُكُونِهَا، وَالْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا، وَالأَوَّلُ عَلَى مَعْنَى تَطْلُبُونَ وَتَسْتَعْجِلُونَ، وَالثَّانِي مِنَ الدَّعْوَى أَيْ تَدَّعُونَ الأَبَاطِيلَ وَالأَكَاذِيبَ وَأَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ لا تُبْعَثُونَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: "تَدَّعُونَ وَتَدْعُونَ وَاحِدٌ مِثْلُ تَذَّكَّرُونَ وَتَذْكُرُونَ".
﴿قُلْ﴾ أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ مَوْتَكَ: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ﴾ أَيْ أَمَاتَنِي كَمَا تُرِيدُونَ، قَرَأَ حَمْزَةُ: ﴿أَهْلَكَنِي﴾ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ فَتُحْذَفُ لَفْظًا فِي الْوَصْلِ، وَتُرَقَّقُ لامُ الجلالةِ لِكَسْرِ النُّونِ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا فَتُفَخَّمُ لامُ الجلالةِ لِلْفَتْحِ.
﴿وَمَنْ مَّعِيَ﴾ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: ﴿مَعِيَ﴾ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: ﴿مَعِي﴾ بِالإِسْكَانِ.
﴿أَوْ رَحِمَنَا﴾ فَأَبْقَانَا وَأَخَّرَ فِي ءَاجَالِنَا فَلَمْ يُعَذِّبْنَا بِعَذَابِهِ.
﴿فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أَيْ فمَنْ يَحْمِيكُمْ وَيَمْنَعُ عَنْكُمُ الْعَذَابَ الْمُوجِعَ الْمُؤْلِمَ الَّذِي سَبَبُهُ كُفْرُكُمْ، وَالْمَعْنَى: لا، لَيْسَ يُنْجِي الْكُفَّارَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَوْتُنَا وَحَيَاتُنَا، فَلا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ تَسْتَعْجِلُوا قِيَامَ السَّاعَةِ وَنُزُولَ الْعَذَابِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ نَافِعِكُمْ بَلْ ذَلِكَ بَلاءٌ عَلَيْكُمْ عَظِيمٌ أي أنّهُ لا مُجِيرَ لهم منه.