سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

يرونه بعيدا ونراه قريبا


يرونه بعيدا ونراه قريبا
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿بَلْ لَّجُّوا﴾ أَيْ تَمَادَوْا وَأَصَرُّوا مَعَ وُضُوحِ الْحَقِّ
﴿فِي عُتُوٍّ﴾ أَيْ تَكَبُّرٍ وَعِنَادٍ
﴿وَنُفُورٍ﴾ أَيْ تَبَاعُدٍ عَنِ الْحَقِّ وَإِعْرَاضٍ عَنْهُ.
ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَقَالَ:
﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ﴾ أَيْ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ لا يَنْظُرُ أَمَامَهُ وَلا يَمِينَهُ وَلا شِمَالَهُ ولا مَن بَينَ يديهِ فَهُوَ لا يَأْمَنُ مِنَ الْعِثَارِ وَالانْكِبَابِ عَلَى وَجْهِهِ وَلا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، وَهَذَا هُوَ الْكَافِرُ أَكَبَّ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي فِي الدُّنْيَا، فَحَشَرَهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كما يؤخذُ مِنْ حديثٍ أخرجَهُ الترمذيُّ. الكفارُ تسحبُهمُ الملائكةُ على وجوهِهم لكن ليسَ كلَّ الوقتِ هذا عندَ الحشرِ وهذا علامةُ ذلِّ الكافرينَ، وهو أنهم بمجردِ ما يُرى الإنسانُ يمشي على وجههِ يُعرفُ أنهُ كافرٌ، بخلافِ الأتقياءِ الذين أدَّوا الواجباتِ واجتنبوا المحرماتِ، فإنهم يحشرونَ كاسينَ راكبينَ طاعمينَ، كاسينَ معناهُ لابسينَ لا تُرى عوراتُهم، وطاعميَن معناهُ يأكلونَ الطعامَ، اللهُ تعالى يرزقُهم هناكَ، وراكبينَ معناهُ لا يمشونَ على أقدامِهم؛ لأنَّ الآخرةَ لهم دارُ كرامةٍ، الأتقياءُ هناكَ تظهرُ كرامتُهم، يحشرونَ راكبينَ طاعمينَ كاسينَ، أما بقيةُ البشرِ فيُحشرونَ حفاةً عراةً، المسلمونَ الذينَ هم ليسوا بأتقياءَ يحشرونَ مشاةً بأقدامِهم، كلُّ واحدٍ ملكٌ خلفَهُ وملكٌ أمامَهُ، كلُّ شخصٍ يُقرنُ بهِ ملكانِ، ملكٌ أمامَهُ وملكٌ خلفَهُ. وعلى كلِّ حالٍ المسلمونَ الذينَ ماتوا بلا توبةٍ وكانَ عليهم كبائرُ الذنوبِ نهايتُهم أن يدخلوا حيثُ يدخلُ المؤمنونَ الأتقياءُ، وهو جنةُ الخلودِ، لا بُدَّ لكلِّ مسلمٍ أن يدخلَ جنةَ الخلودِ. ثم جنةُ الخلودِ فيها راحةٌ لكلِّ مَنْ دخلُها.
أَهَذَا ﴿أَهْدَى﴾ أَيْ أَشَدُّ وَأَرْشَدُ اسْتِقَامَةً عَلَى الطَّرِيقِ وَأَهْدَى لَهُ ﴿أَمَّنْ﴾ أَيْ أَمْ مَنْ ﴿يَمْشِي سَوِيًّا﴾ مُعْتَدِلًا نَاظِرًا مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ يُبْصِرُ الطَّرِيقَ،
﴿عَلَى صِرَاطٍ﴾ أَيْ طَرِيقٍ ﴿مُّسْتَقِيمٍ﴾ أَيْ مُسْتَوٍ لا اعْوِجَاجَ فِيهِ. وَقَدْ شَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنَ فِي تَمَسُّكِهِ بِالدِّينِ الْحَقِّ وَمَشْيِهِ عَلَى مِنْهَاجِهِ بِمَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ الْمُعْتَدِلِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَا يَتَعَثَّرُ بِهِ، وَشَبَّهَ الْكَافِرَ فِي رُكُوبِهِ وَمَشْيِهِ عَلَى الدِّينِ الْبَاطِلِ بِمَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي فِيهِ حُفَرٌ وَارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ فَيَتَعَثَّرُ وَيَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ كُلَّمَا تَخَلَّصَ مِنْ عَثْرَةٍ وَقَعَ فِي أُخْرَى، وَقَرَأَ قُنْبُلٌ: ﴿صِرَاطٍ﴾ بِالسِّينِ.
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ﴾ أَيِ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ﴾ تَسْمَعُونَ بِهِ ﴿وَالأَبْصَارَ﴾ تُبْصِرُونَ بِهَا ﴿وَالأَفْئِدَةَ﴾ أَيِ الْقُلُوبَ تَعْقِلُونَ بِهَا.
﴿قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ أَيْ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ، وَشُكْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ هُوَ أَنْ يَصْرِفَ تِلْكَ النِّعْمَةَ إِلَى وَجْهِ رِضَاهُ وَأَنْتُمْ لَمَّا صَرَفْتُمُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْعَقْلَ لا إِلَى طَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَأنْتُمْ مَا شَكَرْتُمْ نِعْمَتَهُ ألْبَتَّةَ. هذه الآيةُ نزلتْ في المشركينَ بالاتفاقِ، القِلةُ في هذا لها وجهانِ، إما أن يكون قليلًا ما تشكرونَ أي قليلًا ما شكرتم بإسلامِكم، وكثيرٌ لم يسلموا.
والوجهُ الثاني قليلًا أي لم يشكروا بالمرةِ ما تشكَّرَ مِنْ أولئكَ أحدٌ، القلةُ تُستعملُ على معنيينِ في معرضِ النفيِ، إما للنفيِ العامِّ الشاملِ أو للنفيِ عن الأكثرِ.