سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

عاقبة المفسدين بعذاب أليم


عاقبة المفسدين بعذاب أليم
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ أَيْ ريِحًا ذَاتَ حِجَارَةٍ مِنَ السَّمَاءِ أي ريحًا تَرمِيكُم بالحَصْباءِ بالحجارةِ كَمَا أَرْسَلَهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ الْفِيلِ، ولقدْ كانَ قومُ لوطٍ مِنْ قساوةِ قلوبهِمْ وفسادِ أخلاقهِمْ يتَجاهَرونَ بِفِعْلِ فاحشةِ اللواطِ ولا يستَتِرونَ ولا يستَحونَ، وبعثَ اللهُ تعالى نبيَّهُ لوطًا إليهِم ودعاهُم إلى دينِ الإسلامِ وعبادةِ اللهِ وحدَهُ ونَهاهُمْ عنْ تعاطي المحرماتِ والمنكراتِ وتلكَ الأفاعيلِ المسْتَقْبَحَةِ، ولكنّهمْ استمرّوا على كفرِهِمْ وإشراكهِمْ وتمادَوْا في ضلالهِمْ وطغيانهِمْ وفي المجاهرةِ بفعلِ اللواطِ. فسألَ لوطٌ عليهِ السَّلامُ ربَّهُ النُّصرةَ عليهِم. قالَ تعالى حكايةً عنْ نبيِّهِ لوطٍ: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ*﴾ [سورة العنكبوت/30].
فأرْسَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى قومِ لوطٍ ملائكةً كرامًا لإهلاكِهِمْ وهمْ جبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ ليقلبوا قُراهُمْ عالِيَها سافِلَها ويُنْزِلوا العذابَ بهِم. وجاءوا إلى سيّدِنا لوطٍ عليهِ السَّلامُ بِصُوَرِ شبَّانٍ جميلي الصّورةِ اختبارًا مِنَ الله لقومِ لوطٍ وإقامَةً للحُجَّةِ عليهِم، ولم يُخْبِروا لوطًا في البِدايةِ بِحَقيقَتِهِم، فظَنَّ نبيُّ اللهِ لوطٌ أنّهُمْ ضيوفٌ جاءوا يَسْتَضيفونَهُ ولكنَّهُ أشْفَقَ عليهِم وخافَ مِنْ قومِهِ أنْ يعْتَدوا عليهِم، وحصلَ أن خَرَجَتِ امرَأَتُهُ وكانتْ كافرةً خبيثةً تتبعُ هوى قومِها فأخْبَرَتْ قومَها وقالتْ لَهُمْ: إنَّ في بيتِ لوطٍ رجالًا، ما رأيتُ مثْلَ وجوهِهِمْ قَطُّ، وما أنْ سَمِعَ قومُ لوطٍ الخبَرَ حتى أقبَلوا مسرعينَ إلى بيتِهِ عليهِ السَّلامُ يريدونَ الاعتداءَ على ضيوفِهِ، وكانَ قدْ أغلقَ بابَهُ والملائكةُ معَهُ في الدارِ، وأخَذَ يناظِرُ ويحاوِرُ قَومَهُ مِنْ وراءِ البابِ وهم يعالِجونَ البابَ ليَفتَحوهُ، فلمّا رأى الملائكةُ ما يلقى نبيُّ اللهِ لوطٌ عليهِ السلامُ مِنْ كَرْبٍ شديدٍ أخبروهُ بِحَقيقَتِهِم وأنَّهُم ليسوا بَشَرًا وإنَّما هُم ملائكةٌ ورُسُلٌ مِنَ اللهِ، قدِموا وجاءوا لإهلاكِ هذهِ القريةِ بأمْرٍ مِنَ اللهِ؛ لأنَّ أهلَها كانوا ظالمينَ بِكفرِهِم وفسادِهِم.
واستأذَنَ جبريلُ عليهِ السلامُ ربَّهُ في عقوبَتِهِم فَأَذِنَ لَهُ، فخَرَجَ عليهِ السلامُ إليهم وضَرَبَ وجوهَهُمْ بطَرَفِ جناحِهِ فطُمِسَتْ أَعيُنُهُم، فانصَرَفوا يتَحَسَّسونَ الحيطانَ ويَتَوعَّدونَ ويهدّدونَ نبيَّ اللهِ لوطًا. عندَ ذلكَ سألَ نبيُّ اللهِ لوطٌ الملائكةَ متى موعِدُ هلاكِهِم؟ قالوا: الصُّبْحُ. فقالَ: لو أهلَكْتُموهُمُ الآنَ، فقالوا لهُ: أليسَ الصُّبحُ بقريبٍ؟
وأصابَ قومَ لوطٍ منْ أمرِ اللهِ ما لا يُرَدُّ منَ العذابِ الشديدِ، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ(82)﴾ [سورة هود]، أَدخَلَ جبريلُ عليهِ السَّلامُ ريشَةً واحدةً من أجْنِحَتِهِ في قُراهُم ومُدُنِهِمْ وكانت أَربعَةً أو خمسةً واقْتَلَعَهُنَّ مِنْ أَصْلِهِنَّ بِمَنْ فيهِنَّ مِنْ قومِ لوطٍ الكافرينَ، فَرَفَعَ الجميعَ حتّى بَلَغَ بِهنَّ عَنانَ السماءِ، حتى سَمِعَ الملائكةُ الذينَ في السماءِ الأولى أصْواتَ ديَكَتِهِمْ ونُباحَ كِلابِهِمْ ثمَّ قَلَبَها عليهِمْ فَجَعَلَ عالِيَها سافِلَها، رَدَّها مَقلوبَةً بِمشيئَةِ اللهِ وقدرَتِهِ. أمّا لوطٌ عليهِ السلامُ فقد خَرَجَ ليلًا قبلَ طلوعِ الشمسِ، وامرأَتُهُ الكافرةُ قد هَلَكَتْ مَعَ الهالكينَ. اللهمَّ إنّا نسأَلُكَ العفْوَ والعافِيَةَ في الدُّنيا والآخرةِ.
﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ أَيُّهَا الْكَفَرَةُ ﴿كَيْفَ نَذِيرِ﴾ أَيْ كَيْفَ عَاقِبَةُ نَذِيرِي لَكُمْ إِذْ كَذَّبْتُمْ بِهِ وَرَدَدْتُمُوهُ عَلَى رَسُولِي، وَالْمَعْنَى وَإِذَا عَايَنْتُمُ الْعَذَابَ فَسَتَعْلَمُونَ أَنَّ إِنْذَارِي بِالْعَذَابِ حَقٌّ حِينَ لا يَنْفَعُكُمُ الْعِلْمُ.