سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

خالق السماء لا يسكن السماء


خالق السماء لا يسكن السماء
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿ءَأَمِنْتُمْ﴾ أَيْ أَتَأْمَنُونَ ﴿مَّنْ فِي السَّمَآءِ﴾ أَيِ الملائكةَ سُكّانَ السمواتِ ﴿أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ﴾ إنْ أَمَرَهُ اللهُ بذلكَ وَهُوَ ذَهَابُهَا سُفْلًا كَمَا خُسِفَتْ بِقَارُونَ، وَكَمَا خَسَفَ جِبْرِيلُ بِمُدُنِ قَوْمِ لُوطٍ؛ لأنَّ الملائكةَ مقتدرونَ بما أعطاهمُ اللهُ مِنْ قوةٍ أن يخسفوا هذه الأرضَ، كما خسفَ جبريلُ بريشةٍ مِنْ جناحِهِ قرى قومِ لوطٍ وهي أربعُ مدنٍ، رفعَها بريشةٍ واحدةٍ إلى حيثُ صاروا قريبينَ إلى السماءِ بحديثُ يسمعُ أهلُ السماءِ نُباحَ كلابهِم وصياحَ ديكتِهم، ثم قلَبها، قلبَ أعاليَها سافلَها؛ لأنَّ اللهَ أمرَهُ بذلكَ، الآنَ لو أمرَهُ اللهُ بأن يخسفَ بالمشركينَ الأرضَ لفعلَ، معناهُ هؤلاءِ المشركونَ الذينَ ءاذَوا وكذَّبوا محمّدًا ما يأمنُهم أن يخسفَ المَلَك بهم الأرضَ، أي بأمرِنا؟ أي لو أمرناهُ لخسفَ بهمُ الأرضَ، من يملكُ لهم ذلكَ مِنَ اللهِ تعالى؟ ألا يرتدعونَ؟ خيرٌ لهم أن يرتدِعُوا عن تكذيبِ محمدٍ. الملائكةُ يستطيعونَ لو أمرَهم اللهُ أنْ يَقْلَعُوا هذه الجبالَ كلَّها.
وأما قارونُ فلقد قيلَ إنه مرَّ في مسيرهِ على مجلسٍ لسيدِنا موسى عليهِ السلامُ فأوقفَ الموكبَ وخاطبَ موسى عليه السلام قائلًا: يا موسى أما لئن كنتَ فُضّلتَ عليَّ بالنبوةِ، فلقد فُضّلتُ عليكَ بالمالِ، ولئن شئتَ فاخرج فادعُ عليَّ وأدعُو عليكَ. فخرجَ سيدُنا موسى عليهِ السلامُ ثابتَ القلبِ متوكلًا على ربهِ سبحانَهُ وتعالى، وبدأَ قارونُ بالدعاءِ فلم يُستَجَبْ له، ودعا سيدُنا موسى عليهِ السلامُ وقالَ: "اللهمَّ مُرِ الأرضَ فلتطعْنِي اليومَ"، فاستجابَ اللهُ لهُ. فقالَ موسى "يا أرضُ خُذِيهم"، فأخذتِ الأرضُ قارونَ الملعونَ ومن معَهُ مِنْ أتباعِه الخبثاءِ إلى أقدامِهم ثم قالَ: يا أرضُ خُذِيهم، فأخذَتْهم الى رُكَبِهم ثم إلى مناكِبهم، ثم قالَ: أقبلي بكنوزهِ وأموالهِ، فاهتزتِ الأرضُ تحتَ دارهِ وما فيها مِنْ أموالٍ، ثم أشارَ موسى عليهِ السلامُ بيدهِ فقالَ: يا أرضُ خُذيهم فابتلعَتهم جميعًا.
ولَما حلَّ بقارونَ ما حلَّ مِنْ خسفِ الأرضِ وذهابِ الأموالِ وخرابِ الدارِ وخسفِها، ندِمَ مَنْ كان تمنَّى مثلَ ما أُوتي، وشكروا اللهَ تعالى الذي لم يجعلْهم كقارونَ طغاةً متجبرينَ متكبرينَ فيخسفَ بهمُ الأرضَ.
﴿فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ تَتَحَرَّكُ بِأَهْلِهَا عندَ الخسْفِ وترتَفعُ فوقَهم، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَرِّكُ الأَرْضَ بِقُدْرَتِهِ عَنْدَ الْخَسْفِ بِهِمْ حَتَّى يَقْلِبَهُمْ إِلَى أَسْفَلَ وَتَعْلُوَ الأَرْضُ عَلَيْهِمْ وَتَمُورَ فَوْقَهُمْ أَيْ تَذْهَبَ وَتَجِيءَ. قارونُ ماذا نفعَهُ الذهبُ الكثيرُ؟! اللهُ خَسَفَ بهِ وبدارهِ وبذهبهِ الأرضَ. بلعتْهُ الأرضُ وهو حيٌّ؟ أينَ ذلكَ الذهبُ الآنَ؟ الكافرُ قبلَ أن يموتَ عندما تأتي ملائكةُ العذابِ يضربونَهُ في وجههِ وفي خلفهِ، لو قيلَ له: هل تتخلَّى عن كلِّ ما عندك مِنَ المالِ وتخلَّصَ مِنْ أيدي الملائكةِ الذينَ يعذبونَكَ؟ لاختارَ أن يخلصَ مِنْ كلِّ ما عندَهُ منَ المالِ ويخلصَ مِنْ هؤلاءِ، لكن ليسَ في إمكانهِ، لا يستطيعُ أن يُفْلِتَ مِنْ أيدِيهم، لو كانَ يُفلتُ منهم لهربَ.
فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ: ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عِنْدَ بَيَانِ مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُوصَفُ بِالْمَكَانِ وَلا يَتَحَيَّزُ فِي جِهَةٍ، لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الأَجْسَامِ، وَاللَّهُ لَيْسَ جِسْمًا كَبِيرًا وَلا جِسْمًا صَغِيرًا فَلا يَسْكُنُ السَّمَاءَ ولا يَسْكُنُ الْعَرْشَ ولا يَجْلِسُ عَلَيْهِ، فَرَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْجُودٌ بِلا جِهَةٍ وَلا مَكَانٍ، وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي أَمَالِيِّهِ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ: "ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ": "وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ: "أَهْلُ السَّمَاءِ" عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: "مَنْ فِي السَّمَاءِ": الْمَلائِكَةُ" اهـ.