سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن الله لا تخفى عليه خافية؟


هل تعلم أن الله لا تخفى عليه خافية؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿أَلا يَعْلَمُ﴾ الْخَالِقُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿مَنْ خَلَقَ﴾ وَهُوَ الَّذِي أَحَاطَ بِخَفِيَّاتِ الأُمُورِ وَجَلِيَّاتِهَا، وَعَلِمَ مَا ظَهَرَ مِنْ خَلْقِهِ وَمَا بَطَنَ، أَوْ أَلا يَعْلَمُ الْخَالِقُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الإِنْكَارُ، أَيْ كَيْفَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ الأَشْيَاءَ وَأَوْجَدَهَا مِنَ الْعَدَمِ الصِّرْفِ ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ﴾ الْمُحْسِنُ إِلَى عِبَادِهِ فِي خَفَاءٍ وَسَتْرٍ وَمِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُونَ، ﴿الْخَبِيرُ﴾ أَيِ الْمُطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَةِ الأَشْيَاءِ فَلا تَخْفَى عَلَى اللَّهِ خَافِيَةٌ. اللهُ مطّلعٌ عليْنا، اللهُ لا تخفى عليهِ خافيَةٌ، الواحدُ منّا تَخْفَى عليهِ الخَفِيّاتُ، أمّا اللهُ لا تخفى عليهِ خافِيَةٌ فهو عالمٌ بكلِّ شىءٍ مِنْ أعمالِنا؛ لأنَّ اللهَ تعالى هو خلقَ الخفياتِ والظاهراتِ. العبدُ يعلمُ مِنْ نفسِهِ أشياءَ ويجهلُ أشياءَ كثيرةً مِنْ نفسهِ، وأمَّا اللهُ تعالى فيعلمُ مِنَ العبدِ كلَّ شىءٍ. فحاسِبْ نفسَكَ وراقِبْ أعمالَكَ وانتبهْ لكلامِكَ ولفعلِكَ واعتقادِكَ، واعبُدِ اللهَ كأنّكَ تراهُ فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنهُ يراكَ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "قالَ اللهُ تعالى: يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيْكُمْ إِيَّاهَا، فمنْ وجَدَ خَيْرًا فليحمَدِ اللهَ ومنْ وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَهُ" رواهُ مسلمٌ عن أبي ذَرٍّ الغفاريِّ رضيَ اللهُ عنهُ.
واللهُ تباركَ وتعالى لا تخفى عليهِ النياتُ، وهو يعاملُ عبدَهُ على نيتهِ، فمَنْ أخلصَ نيتَهُ أعطاهُ اللهُ تعالى الثوابَ على عملهِ، العملُ الخفيفُ والعملُ الثقيلُ الشديدُ كلًّا يُجازيهِ اللهُ عليهِ بالثوابِ، وأما مَنْ لم يُخلصْ نيتَهُ فمهما قاسى مِنَ الأتعابِ والمشقاتِ فليسَ لهُ في ذلكَ ذرةٌ مِنَ الثوابِ، ليسَ لهُ ذرةٌ مِنَ الحسناتِ، لذلكَ اللهُ تباركَ وتعالى قالَ:﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾. حذَّرَنا اللهُ تباركَ وتعالى مِنَ الإشراكِ في العبادةِ، أي أن نعملَ العملَ الصالحَ ابتغاءَ المحمدةِ مِنَ الناسِ، فمن لم يحذرْ وأدخلَ الرياءَ في عملهِ الذي عمِلَهُ فلا يلومَنَّ إلا نفسَهُ. فكثيرٌ مِنَ الناسِ يكونونَ في هذه الدنيا يعملونَ الأعمالَ، هذا يكونُ قارئًا وهذا يكون عالمًا وهذا يكونُ سخيًّا كريمًا يبذلُ المالَ، وكلٌّ مِنْ هؤلاءِ قد يكونُ في نياتِهم خللٌ، أما مَنْ أخلصَ نيتَهُ للهِ تعالى فلهُ الثوابُ العظيمُ، ثوابُهُ يعظُمُ على حسبِ إتقانِهِ العملَ على ما جاءَ عن رسولِ اللهِ، على ما أمرَ بهِ رسولُ اللهِ، بحسنِ النيةِ والابتعادِ مِنْ طُرُقِ الخللِ يعظُمُ أجرُهُ. وهذا معنى قولِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: "إنما الأعمالُ بالنياتِ وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى" أي أنَّ العملَ الذي أمرَ اللهُ بهِ لا يكونُ معتبرًا إلا بالنيةِ، فالصلاةُ مِنَ الأعمالِ التي أمرَنا اللهُ بها لا تكونُ معتبرةً إلا بالنيةِ، كذلكَ الزكاةُ لا تكونُ معتبرةً إلا بالنيةٍ، كذلكَ الصيامُ لا يكونُ معتبرًا عندَ اللهِ إلا بالنيةِ، كذلكَ الحجُّ لا يكونُ معتبرًا إلا بالنيةِ، وكذلكَ سائرُ الأعمالِ التي مِنْ هذا القبيلِ لا تكونُ معتبرةً إلا بالنيةِ. ثم هذه النيةُ يجبُ أن تكونَ خالصةً للهِ تعالى؛ لأنهُ إذا نوى ولم تكنِ النيةُ خالصةً للهِ فإنهُ لا ثوابَ لهُ. ثم إذا لم يجدْ أمامَهُ مِنْ ثوابِ تلكَ الأعمالِ شيئًا في الآخرةِ فإنه يتندمُ ويتحسَّرُ، حتى إنَّ بعضَ الناسِ قد يبنونَ مسجدًا ونياتُهم فاسدةٌ، يكونونَ بنَوا المسجدَ مِنْ مالٍ حلالٍ لكنْ نياتُهم فاسدةٌ، كأن ينوُوا أن يمدحَهم الناسُ.
وقد يتصدقُ الإنسانُ بصدقةٍ قليلةٍ، ليسَ لها شأنٌ في نظرِ الناسِ لكنها عندَ اللهِ تعالى تكونُ كالجبلِ العظيمِ. كالذي تَصَدَّقَ مِنْ مالٍ قَليلٍ لَهُ فَدَفَعَ نِصْفَ مَالِهِ وَأبْقى النِّصْفَ الآخَرَ لِنَفْسِه، هذا عِنْدَ اللهِ أجْرُهُ أعْظَمُ مِنَ الرَّجُلِ الذي لهُ مالٌ كثيرٌ وَتَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ، مِثَالُ ذلكَ ما جَاءَ في حديثِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّم: "سَبَقَ دِرْهَمٌ مائَةَ ألْفِ دِرْهَمٍ، قيلَ: كيْفَ ذلِكَ يا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: رَجُلٌ لهُ دِرْهَمَانِ فَتَصَدَّقَ بِأحَدِهِمَا، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِمائَةِ ألفِ دِرْهَمٍ مِنْ عُرْضِ مَالهِ" أيْ مِن مالِهِ الكَثيرِ دَفَعَ مِائَةَ ألْفِ دِرْهَمٍ وَتَرَكَ كَثيرًا لِنَفْسِهِ، هذِهِ المِائَةُ ألْفٍ بِالنسبةِ لِكَثْرَةِ مَالِهِ قليلٌ، فَثَوابُ الشَّخْصِ الذي تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَتَرَكَ لِنَفْسِهِ دِرْهَمًا واحِدًا أعْظَمُ عِندَ اللهِ مِنْ ثَوَابِ الآخَرِ الذي تَصَدَّقَ بِمائَةِ ألفٍ، التي هي قليلٌ مِنْ كَثيرٍ بالنسبةِ لِمَالِهِ الكثيرِ.