سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

اللهم ارزقنا التقوى سرًا وعلانية


اللهم ارزقنا التقوى سرًا وعلانية
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ وَعِيدَ الْكُفَّارِ أَتْبَعَهُ بِوَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم﴾ أَيْ يَخَافُونَهُ ﴿بِالْغَيْبِ﴾ أَيِ الَّذِي أُخْبَرُوا بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ وَأَحْوَالِهِ، أَوْ يَخَافُونَهُ وَهُمْ فِي غَيْبَتِهِمْ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فِي خَلَوَاتِهِمْ فَآمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ سِرًّا كَمَا أَطَاعُوهُ عَلانِيَةً ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ أَيْ عَفْوٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ ذُنُوبِهِمْ ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ وَهُوَ الْجَنَّةُ.
ليُعلمْ أنَّ مِنَ الناسِ مَنْ تابَ إلى اللهِ بسماعهِ ءايةً مِنْ كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فهذا الفضيلُ بنُ عياض رُويَ عنهُ أنهُ كانَ قاطعَ طريقٍ مرَّتْ عليهِ قافلةٌ فرأى امرأةً بارعةَ الجمالِ فقال: "ستكونُ هذه البنتُ مِنْ حظي" حدثتْهُ نفسُهُ بمعصيةِ اللهِ بالوقوعِ في الحرامِ. باتتِ القافلةُ في المساءِ ولما أرادَ الوصولَ إلى تلكَ المرأةِ رءاها تقرأُ القرءانَ ووصلتْ إلى قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿ألمْ يَأْنِ للذينَ ءامنوا أن تخشعَ قلوبُهم لذكرِ اللهِ(16)﴾ [سورة الحديد] الآيةَ، فصارَ ينتفضُ ويرتجفُ ويقولُ: بلى يا ربُّ بلى يا ربُّ، تابَ إلى اللهِ التوابِ الرحيمِ.
ويقولُ حبيبُنا محمدٌ صلواتُ ربي وسلامهُ عليهِ: "اتقِ اللهَ حيثما كنتَ، واتبعِ السيِّئةَ الحسنةَ تمحُها وخالقِ الناسَ بخلقٍ حسنٍ" رواهُ الترمذيُّ.
قالَ بعضُ الصالحينَ: إنَّ ما أكلتَهُ تُفنيهِ، وما لَبِسْتَهُ تُبليهِ، وما عملتَهُ تُلاقيهِ، والتوجُّهُ إلى اللهِ حتمٌ مقضيّ، وفراقُ الأحبةِ وعدٌ مأتيّ، والدنيا أولُها ضعفٌ وفتورٌ، وءاخرُها موتٌ وقبورٍ، لو بقيَ ساكنُها ما خربتْ مساكنُها، فاربِطْ قلبكَ باللهِ - أي بطاعتهِ ومحبتهِ-، وأعرضَ عن غيرِ الله، سَلِّمْ في جميعِ أحوالِك للهِ". فاتقِ اللهَ في السرِّ والعلانيَةِ، فاللهُ لا تخفى عليهِ خافيةٌ، اتقِ اللهَ في مالِكَ، في عملِكَ، في زوجتِكَ، في أولادِك، في أهلِكَ، في أرحامِكَ، اتقِ اللهَ وأنتَ بينَ الناسِ، وأنتَ في غيبتِكَ عن أعينِ الناسِ. يقولُ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾. جعلَنا اللهُ وإياكم مِنَ الذينَ يخشونَ ربَّهم بالغيبِ وهم مِنَ الساعةِ مشفقونَ.
﴿وَأَسِرُّوا﴾ أَيْ أَخْفُوا أَيُّهَا النَّاسُ ﴿قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ﴾ أَيْ أَعْلِنُوهُ وَأَظْهِرُوهُ، وَاللَّفْظُ لَفْظُ الأَمْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَبَرُ يَعْنِي إِنْ أَخْفَيْتُمْ كَلامَكُمْ أَوْ جَهَرْتُمْ بِهِ فَـ﴿إِنَّهُ﴾ تَعَالَى ﴿عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ يَعْنِي بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَكَيْفَ بِمَا نَطَقْتُمْ بِهِ، وَالآيَةُ فِيهَا بَيَانُ اسْتِوَاءِ الأَمْرَيْنِ أَيِ الإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: "قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ بِمَا قَالُوا، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ حَتَّى لا يَسْمَعَ إِلـٰهُ مُحَمَّدٍ" اهـ.