سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات تعلّم معنى ءاية - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن العقل شاهد الشرع؟


هل تعلم أن العقل شاهد الشرع؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

﴿وَقَالُوا﴾ أَيْ وَقَالَ الْكُفَّارُ أَيْضًا وَهُمْ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ﴿لَوْ كُنَّا﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿نَسْمَعُ﴾ مِنَ النُّذُرِ أَيِ الرُّسُلِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْحَقِّ سَمَاعَ طَالِبٍ لِلْحَقِّ، سماعَ مَن يَعِي ويُفَكّرُ ﴿أَوْ نَعْقِلُ﴾ عَقْلَ مُتَأَمِّلٍ وَمُفَكِّرٍ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ، أي عَقلَ مَنْ يميّزُ ويَنظُر، ﴿مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ يَعْنِي مَا كُنَّا مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَلَمْ نَسْتَوْجِبِ الْخُلُودَ فِيهَا. معناهُ الكفارُ يقولونَ: ما كانَ لنا عقلٌ صحيحٌ، لو كانَ لنا عقلٌ صحيحٌ لاتَّبَعْنَا دينَ الإسلامِ.
وهذه الآيةُ فيها دليلٌ على اعتبارِ الاستدلالِ العقليِّ. فالقرءانُ أرشدَ إلى الاستدلالِ العقليِّ في عدةِ ءاياتٍ كقولهِ تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾ [سورة الذاريات] أي أنَّ في أنفسِّكم دليلًا على وجودِ اللهِ. وكذلكَ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَىء﴾ الآيةَ [سورة الأعراف/185] هذه الآيةُ فيها دلالةٌ على وجوبِ الاستدلالِ العقليِّ على وجودِ اللهِ، كذلكَ ءاياتٌ أخرى كقولهِ تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)﴾ [سورة ءال عمران].
القرءانُ فيهِ براهينُ عقليةٌ لكن قليلٌ مَنْ يفهمُهُ، قليلٌ مَنْ ينتبهُ لذلكَ. الآياتُ القرءانيةُ تتضمنُ البراهينَ العقليةَ، لذلكَ العلماءُ ألَّفُوا فوضعوا البراهينَ العقليةَ التي أشارَ إليها القرءانُ جعلوها واضحةً ظاهرةً. فنحنُ نقفُ حيثُ وقفَ أهلُ الحقِّ، أهلُ الحقِّ استدلوا بدلائلَ عقليةٍ ودلائلَ سمعيةٍ، ونحنُ نجمعُ بينَ الأمرينِ.
ثم إبراهيمُ عليهِ السلامُ أليسَ جادلَ النمرودَ؟! قالَ لهُ كما وردَ في القرءانِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فبُهِتَ الذي كفرَ﴾ [سورة البقرة/258] الآيةَ، فبُهتَ نمرودُ، خَرِسَ. هذا دليلٌ على الاستدلالِ بالعقلِ، الأنبياءُ عليهِمُ السلامُ كانوا يحتجونَ بالأدلةِ العقليةِ وما يُوحى إليهم مِنَ الوحيِ كانوا يحتجونَ بهذا وبهذا، أهلُ السنةِ الذينَ يشتغلونَ بعلمِ الكلامِ هذا عمَلُهم. ما معنى علمِ الكلامِ؟ علمٌ يُعرفُ بهِ إثباتُ الحقِّ وردُّ الباطلِ بالدليلِ العقليِّ والنقليِّ.
واللهُ تباركَ وتعالى مدحَ حُجةَ إبراهيمَ هذه على قومهِ بقولهِ تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ (83)﴾ [سورة الأنعام]الآية، وأهلُ السنةِ مِنَ الأشاعرةِ والماتريديةِ نهَجُوا منهجَ إبراهيمَ عليهِ السلامُ حيثُ إنهم نزَّهُوا اللهَ عن الجسميةِ والحجميةِ وكلِّ صفاتِ الحجمِ. فمِنَ الأدلةِ التي قرَّرها علماءُ التوحيدِ مِنْ أهلِ السنةِ هذا الدليلُ: العالمُ متغيرٌ وكلُّ متغيرٍ حادثٌ فالعالمُ حادثٌ، وهذا شىءٌ يشهدُ بهِ العيانُ، وهذا الدليلُ يُؤخذُ منهُ: أنَّ كلَّ متغيرٍ لا بُدَّ لهُ مِنْ مغيرٍ، ومغيرُهُ غيرُ متغيرٍ، وهذا المغيِّرُ هو "اللهُ"، وهو عبارةٌ عن موجودٍ أزليٍّ لا ابتداءَ لوجودهِ، أبديٍّ لا يطرَأُ عليهِ العدمُ وهذا الموجودُ هو المسمى "اللهُ"، الدليلُ عُرِفَ بالعقلِ، أما الاسمُ اسمُ هذا الموجودِ الذي هو مُحدِثُ العالمِ عُرِفَ مِنْ طريقِ الأنبياءِ، هذا الاسمُ العظيمُ "اللهُ" عُرِفَ مِنْ طريقِ الأنبياءِ.
﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ﴾ أَيْ بِكُفْرِهِمْ فِي تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ وَهَذَا الاعْتِرَافُ لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يُخَلِّصُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، ﴿فَسُحْقًا﴾ أَيْ فَبُعْدًا، ﴿لأَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ، أُبْعِدُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ.