ألا أدلكم على الغنيمة الباردةَ


ألا أدلكم على الغنيمة الباردةَ
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

الحمد لله رب العالمين له النِّعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه من النّبيّين والمرسلين.
أما بعد فإن الكيس من خاف ربه ودان نفسه وعمل لِما بعد الموت، أي لازم الشرع لا يفارقه ظاهرا وباطنا، قد روى الترمذي في سننه عن عامر بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء". سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة باردة لِما فيه من الأجر والثواب فالغُنْمُ هو الفوز بالشىء من غير مشقة.
وورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "ألا أدلكم على الغنيمة الباردة، قالوا: بلى، قال: الصيام في الشتاء". ومعنى الغنيمة الباردة: الغنيمة السهلة، لأن حرارة العطش لا تنال الصائم فيه.
وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:"الشتاء غنيمة العابدين" رواه أبو نعيم بإسناد صحيح. وأخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الشتاء ربيع المؤمن"، أخرجه البيهقي، وزاد فيه طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه"، هكذا يستغل المسلم الفطن ليل ونهار الشتاء. فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة شديدة تحصل له من جوع وعطش، فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بجوع شديد لقِصَرِه ولا بعطش شديد لبرودته.
وقد كان الصحابة يعتنون بالشتاء ويرحبون بقدومه ويفرحون بذلك ويحثون الناس على اغتنامه. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "مرحبا بالشتاء، تنَزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام". وكان أحد الصالحين إذا جاء الشتاء يقول:"يا أهل القرءان، طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا".
فرصة ذهبية للمشتغل الذي يبتغي الأجر من الله رب العالمين وغنيمة باردة له، ولكل من عليه قضاء، أو كفارات فليغتنموا جميعًا هذه الغنيمة الباردة إما بقضاء الفوائت من صلاة وصيام وأداء الكفارات وتبرئة الذمة منها قبل الممات وإما بالإكثار من قيام الليل وصيام النهار تطوعا وزرعا للحصاد يوم المعاد.
أما اغتنام ليل الشتاء فلطوله، ففيه قد تأخذ النفس حظّها من النوم، ثم يقوم الشخص بعد ذلك إلى الصلاة، فيصلي ما شاء من قيام الليل ثم يقرأ ورده، وقد أخذت نفسه حظها المحتاجة إليه من النوم، فيكمل له مصلحة دينه وراحة بدنه فيذوق بذلك لذة العبادة فإنّ للعبادِة لذّةً لايعرفها إلا من ذاقها، ومن فقدها فهو محروم.
وانما الأيام مراحل يقطعها المسلم مرحلة مرحلة، وأفضل الناس من أخذ من كل مرحلة زادًا للآخرة. نسأل الله تعالى أن يرزقنا الهمة على الطاعة ويرزقنا الإخلاص والقبول، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى إنه سميع مجيب.