سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات قصة إسلام - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قصة إسلام زيد الخير


قصة إسلام زيد الخير
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

لمـــّــا بلغتْ أخبارُ النَّبيّ عليهِ الصّلاةُ والسّلام سمِع زيدٌ الخيلُ وكانَ هذا اسمُه قبلَ أن يسميَه النّبيُ زيدَ الخيرِ ووقفَ على شئٍ ممّا يدعو إليهِ الإسلامُ من توحيدِ اللهِ سبحانَه وتعالى. أعدَّ راحلتَه، ودعا الكُبراءَ من قومِه إلى زيارةِ يثربَ، المدينةِ المنوّرةِ، ولقاءِ النّبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فركِب معه وفد كبيرٌ من طيّء، فلمّا بلغوا المدينةَ توجهوا إلى المسجدِ النّبوي الشّريفِ وأناخوا ركائبَهم ببابِه، وصادفَ عندَ دخولـِهم أنْ كانَ الرّسولُ صلوات اللهِ وسلامُه عليهِ يخطُب بالمسلمينَ من فوقِ المِنبرِ، فراعَهُم كلامُه وأدهشَهم تعلّقُ المسلمين بهِ، وإنصاتُهم له، وتأثرُهم بما يقولُ.
ووقعَ كلامُ الرَّسولِ صلواتُ اللهِ وسَلامُه عليهِ في نفسِ زيدٍ الخيلِ بنِ مُـهَلْهِل ومن مَعه من كبارِ قومِه موقعَين مختلفين، فبعضٌ استجابَ للحقّ وأقبلَ عليهِ، وبعضٌ تولّى عنهُ واستكبر عليهِ. أمَّا "زِرُّ بنُ جابر ابنِ سُدوس" فما كاد يرى رسولَ اللهِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ في موقفِه الرائعِ تحفُّه القلوبُ المؤمنةُ، وتحوطُه العيونُ، حتّى دبَّ الحسدُ في قلبِه وملأَ الخوفُ فؤادَه، ثمَّ قالَ لمنْ معه: "إني لأرى رجلاً ليملكنَّ رقابَ العربِ، واللهِ لا أجعلنَّه يملكُ رقَبتي أبَدًا". ثمَّ توجّه إلى بلادِ الشّامِ، وحلَق رأسَه وتنصّر، وأما زيدٌ الخيرُ ومن معه فقد كان لهم شأنٌ ءاخَرُ، فما أنِ انتهى الرّسولُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ من خُطبتِه، حتّى وقفَ زيدٌ بينَ جموعِ المسلمين وكانَ من أجملِ الرّجال وأطولِهم قامة، وقفَ بقامتِه الممشوقةِ ونادى قائلاً: "يا محمَّد، أشهدُ أنْ لا إله إلّا اللهُ وأشهدُ أنّك رسولُ اللهِ"، فأقبلَ عليهِ الرّسولُ الكريمُ وقال له: "من أنت؟" قال: "أنا زيدٌ الخيلُ بن مُهَلهِل"، فقالَ لهُ الرّسولُ صلواتُ اللهِ وسَلامُه عليهِ: "لا، بل أنتَ زيدٌ الخيرُ لا زيدَ الخيلِ، الحمد لله الذي جاء بك، ورقّقَ قلبَك للإسلامِ". فعُرِف بعدَ ذلك بزيدٍ الخيرِ.
ثمَّ أسلمَ مع زيدٍ الخيرِ جميعُ منْ صَحِبَهُ مِنْ قومِه. ولمــّـا همَّ زيدٌ بالرّجوعِ هو ومن معَه إلى ديارِهم في نجدٍ، ودّعه النبيُّ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ وقال: "أيُّ رجلٍ هذا؟ كم سيكون لهُ منَ الشّأنِ لو سَلِمَ من وباءِ المدينةِ" وكانتِ المدينةُ ءانذاكَ موبوءةً بالحُمّى، فما أنْ بارحَها زيدٌ الخيرُ، حتّى أصابتْه.
ثم تابعَ زيدٌ الخيرُ سَيرَه نحوَ أهلِه في نجدٍ، على الرّغمِ من أنَّ وطأةَ الحُمّى كانتْ تشتدُّ عليهِ ساعةً بعد أخرى، فقد كان يتمنى أن يلقَى قومَه، وأنْ يكتبَ اللهُ لهمُ الإسلامُ على يدَيْه، ولكنَّ المنيةَ ما لبثَتْ أنْ سبقتْه، فلفظَ أنفاسَه الأخيرةَ في طريقِه.
اللّهمّ ءَاتِ نُفُوسَنَا تَقوَاهَا وَزَكِّهَا أنتَ خيرُ مَن زَكَّاهَا، أنتَ وليُّها ومولاها.