سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات قصة إسلام - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث


قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

كانَ أبو سفيانَ ابنُ عمّ النّبي، فأبوهُ الحارثُ وعبدُ اللهِ والدُ الرّسولِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهِ أخوانٌ ينحدرانِ من صُلب عبدِ المطّلِبِ. ثمَّ إنَّه كانَ من أترابِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلم وأخًا له من الرّضاع، فقد أرضَعتْهما حليمةُ السّعديةُ معًا، وكان بعدَ ذلِك صديقًا حميمًا للرّسولِ صلواتُ اللهِ عليهِ قبلَ النُّبوةِ، وأشدُّ النَّاس شبهًا بهِ، لذا فقدْ كانَ المظنونُ بأبي سفيانَ أن يكونَ أسبقَ النَّاس إلى تلبيةِ دعوةِ الرَّسولِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وأسرعُهم مبادرةً إلى اتّباعه، لكنَّ الأمرَ جاءَ على خلافِ كلّ ما يتوقعُه المتوقّعون، إذ ما كادَ الرّسولُ عليه الصّلاةُ والسَّلام يُظهِر دعوتَه ويُنذِرُ عشيرتَه حتى شبّتْ نارُ الضغينةِ في نفس أبي سفيانَ على الرّسولِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، فانقلبتِ الصداقةُ إلى عداوةٍ، والرّحمُ إلى قطيعةٍ، فوضعَ سِنانَه ولسانَه في محُاربةِ الرّسولِ ومعاداةِ دعوتِهِ.
وطالتْ عداوةُ أبي سفيان للنّبيّ عليهِ الصّلاة والسّلام حتى قاربت عشرين عامًا، وكانَ لإسلامِه قصةٌ مثيرةٌ رواها هو فقال: "لما استقامَ أمرُ الإسلامِ وقرَّ قرارُه وشاعتْ أخبارٌ توجه الرّسولُ إلى مكةَ ليفتَحها. ضاقت عليَّ الأرضُ بما رحبَت، فقالوا لي: أما ءان لكَ أن تبصِر أنّ العربَ والعجمَ قد دانتْ لمحمّدٍ بالطّاعة، واعتنقتَ دينَه، وأنت ما تزالُ مُصرِّا على عداوتِه، وكنتَ أَولى النّاسِ بتأييدِه ونصرتِه؟! وما زالوا بي يُعطّفونَني على دينِ محمدٍ ويرغبونني فيه حتى شرح الله صدري للإسلام، فقمت من تَوي، وقلتُ لغلامي "مذكور": هيّء لنا نوقًا وفَرسًا، وأخذتُ معي ابني جعفر، وجعلنا نجِدُّ في السّير نحوَ "الأبواء" بينَ مكّةَ والمدينةِ، فقدْ بلغني أنّ محمّدًا نزل فيها.
فالتمستُ الدّخولَ عليهِ أنا وعبدُ اللهِ بنُ أميةَ بنُ المغيرةَ [وكانا قد أسلما قبلُ] فكلّمَتْه أمُّ سلمةَ فينا وقالت: يا رسولَ اللهِ ابنُ عمّك وابنُ عمتِك وصهرُك.
فقال: "لا حاجةَ لي بهما، أما ابن عمّي فهَتَك عِرضي وأمَّا ابنُ عمّتي وصِهري فهو الّذي قالَ بمكةَ ما قال".
فلمّا خرجَ الخبُر بذلِك، قلتُ: "واللهِ ليأذنَنَّ لنا رسولُ اللهِ أو لآخذنَّ بيدِ ابني هذا، ثمَّ لنذهبنَّ في الأرضِ حتى نموتَ عطَشًا وجوعًا".
فلمَّا بلغَ ذلِك رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلم رقّ لنا ودعانا فدخلنا عليه وأعلنتُ إسلامي وأنشدتُه قصيدةً في مدحِه اعتذارًا منّي مما كان مضى.
ولمــّا كانَ يومُ "حنينٍ" جمعتِ العربُ لحربِ النّبي عليهِ الصّلاة والسّلام ما لم تجمع قطّ، وأعدَّت للقائِه ما لم تُعِدَّ من قبلُ، وعزمتْ على أن تجعلَها القاضيةَ على الإسلامِ والمسلمينَ، وخرجَ الرّسول صلواتُ الله وسلامه عليه للقائهم في جموعٍ من أصحابِه، فخرجَتُ معَه.
ولمــّا التقى الجمعان اشتدّتْ وطأةُ المشركينَ على المسلمين، فدبَّ فيهمُ الوهنُ وجعلَ النّاسُ يتفرَّقونَ عن النّبي، عندَ ذلك وثبتُ عن فرسي، وكسرتُ غِمدَ سيفي، والله يعلم أنّي أريدُ الموتَ دونَ رسولِ الله. وأخذ عمي العباسُ بلجامِ بغلة النّبي ووقف بجانبه، وأخذت أنا مكاني من الجانبِ الآخر، وفي يميني سيفي أذودُ به عن رسولِ الله، أمّا شمالي فكانتْ ممسكةً بركابِه.
فلمّا نظرَ النّبي إلى حُسنِ بَلائي قالَ لِعمّيَ العباسِ: مَن هذا؟ فقال: هذا أخوك وابنُ عمّك أبو سفيان بنُ الحارثِ، فارضَ عنه يا رسولَ الله، فقال: قد فعلتُ وغفر الله له كلَّ عداوةٍ عادانيها. فاستطار فؤادي فرحًا برضى رسولِ اللهِ عني، وقبلتُ رجلَه في الرّكاب، وحملتُ على المشركين حملةً أزالتْهم عن مواضِعهم، وحمل معي المسلمون حتى طردناهم قدرَ فرسخ، وفرّقناهم في كلّ وجهٍ.
اللَّهمَّ نَقِّنا منَ الذنوبِ والخطايا كَمَا يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ منَ الدنسِ، اللَّهم اغسِل خَطايانا بالماءِ والثّلجِ والبَرَدِ، اللَّهمَّ لا تَغسِلهَا بالنار.