سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات قصة إسلام - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قصة إسلام عكرمة بن أبي جهل


قصة إسلام عكرمة بن أبي جهل
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

كان عكرمةُ رضي الله عنه في أواخر العقد الثالث من عمرِه يومَ صدَع نبيُّ الرّحمةِ بدعوةِ الهدى والحقّ. وكان من أكرمِ قريش حسبًا وأكثرِهم مالاً، وأبرزِ فرسانها المرموقين، وكان واجبًا عليه أن يُسلِم. كما أسلم نظراؤُه من أمثال سعدِ بن أبي وقاصٍ ومصعبِ بن عُمير لكنْ أبوه أبو جهل وكان زعيمًا من زعماءِ الشّرك الّذين كانوا يَكِنُّون العداءَ الشَّديد لسيّدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم كان يثنيهِ عنْ ذلِك.
في هذا الخضمِ وجد عكرمة بن أبي جهلٍ نفسَه مدفوعًا بحكم ِزعامةِ أبيه إلى مُناوأةِ سيدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام، فعادى الرسولَ أشدّ العداء وءاذى أصحابَه أفدحَ الإيذاءِ. ولــمّا قادَ أبوه معركةَ الشّرك يومَ "بدرٍ" كان ابنُه "عكرمةُ" عضُدَه الّذي يعتمدُ عليه، ولكنَّ أبا جهلٍ قُتل في "بدرٍ"، فعادَ عكرمةُ إلى مكةَ بعد أن خلّف جثةَ أبيه في "بدر".
وفي يوم الفتح رأتْ قريشٌ أنْ لا قِبَل لها برسول الله وأصحابِه، فأزمعت على أن تُخليَ له السبيلَ إلى مكةَ، لكنَّ "عكرمةَ" ونفرًا معه خرجوا على إجماعِ قريشٍ، وتصدَّوا للجيشِ الكبيرِ، فهزمهم خالدُ بن الوليدِ ولاذَ "عكرمةُ" بالفرار وتسلّلَ متخفّيًا من مكةَ، مُيمّمًا وجهَهُ شطرَ اليمنِ.
عند ذلك مضت أمُّ حكيمٍ زوجُه فأسلمتْ وبايعتْ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم، ثمَّ قالتْ: يا رسولَ اللهِ قد هرب منك عكرمةُ إلى اليمنِ خوفًا من أن تقتُله فأمّنه، فقال عليه الصّلاة والسّلام: هو ءامنٌ، فخرجَتْ من ساعتِها في طلبِه، حتى أدركت عكرمةَ عند ساحلِ البحر في منطقةِ تِهامةَ فقالتْ له: يا ابنَ عمّ، جئتك من عند أفضلِ النّاس، وأبرّ النّاس، وخيرِ النّاس، من عند ِمحمّدِ بنِ عبدِ اللهِ وقد استأمنْتُ لك منه فأمّنَكَ فلا تُهلِك نفسَك، فقالَ: أنتَ كلّمتَه؟ قالَت: نعم، أنا كلّمتُه فأمّنك. وما زالت به تؤمّنُه وتطمئنُه حتى عاد معها إلى مكّةَ.
وما هو إلا قليلٌ حتّى وصلَ عِكرمةُ وزوجُه إلى حيثُ يجلسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلمّا رءاه ُالنّبيُّ فرحَ بقدومِه. ولمـــّــا جلسَ رسولُ الله وقفَ عكرمةُ بينَ يديهِ وقال: يا محمّد، إنّ أمَّ حكيمٍ أخبرتْني أنّك أمَّنْتَني، فقالَ النّبي عليهِ الصّلاة والسّلام: "صدقَتْ، فأنتَ ءامِنٌ". فقال عكرمةُ: "إلامَ تدعو يا محمّد؟" قال: "أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّي عبدُ اللهِ ورسولُه، وأنْ تقيمَ الصّلاة وأن تؤتيَ الزكاة وتفعلَ وتفعلَ"... حتى عدّ خصال الإسلام. فقال عكرمةُ: "والله ما دعوتَ إلّا إلى حقّ، وما أمرتَ إلّا بخير"، ثم أردفَ يقول: قد كنتَ فينا واللهِ قبلَ أن تدعوَ إلى ما دعوتَ إليه وأنت أصدقُنا حديثًا وأبرُّنا بــــِـرًا". ثم بسطَ يدَه وقال: "إنّي أشهدُ أنْ لا إله إلّا اللهُ وأشهد أنّك عبدُه ورسولُه".
عند ذلك قال له الرّسولُ صلواتُ اللهِ عليه: "اليوم لا تسألني شيئًا أعطيه أحدًا إلا أعطيتُك إيّاه". فقال عكرمةُ: "إنّي أسألك أنْ تستغفرَ لي كلّ عداوةٍ عاديتُكها، أو مقامٍ لقيتُك فيه أو كلامٍ قلتُه في وجهِك أو غيبتِك"، فقال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: "اللهمّ اغفر له كلَّ عداوةٍ عادانيها وكلَّ مسيرٍ سارَ فيه إلى موضِعٍ يريدُ به إطفاءَ نورِك، واغفر له ما نال منّي من عِرضي في وجهي أو أنا غائبٌ عنه". فتهلّلَ وجهُ عكرمةَ بِشرًا وقالَ: "أما واللهِ يا رَسولَ اللهِ، لا أدعُ نفقةً كنتُ أنفقتُها في صدّ عن سبيلِ الله إلا أنفقتُ ضعفها في سبيلِ اللهِ، ولا قتالاً قاتلتُه صدًا عن سبيل الله إلا قاتلتُ ضِعفه في سبيلِ الله". ومنذ ذلك الحين برَّ عكرمةُ رضيَ اللهُ عنه بما قطعه للرّسول من عَهد، فما خاض المسلمون معركةً بعدَ إسلامِه إلا وخاضها معهم. واجتهد عكرمةُ في القتال حتى قُتل رضي الله عنه يومَ "أجنادين" شهيدًا في خلافةِ أبي بكر الصّديق رضي الله عنه.
كان عكرمةُ بنُ أبي جهلِ رضي الله عنه نعمَ الصالحُ والفارسُ المقاتلُ في سبيل ِاللهِ فأكرمَه اللهُ بالشّهادةِ في سبيلِه
ربّنا لا تُؤاخِذنَا إن نَسِينا أو أخطأنا، ربَّنا ولا تَحمِل علينا إصرًا كما حملتَهُ على الذينَ مِن قَبلِنَا، رَبَّنا ولا تُحَمِّلنَا ما لا طاقةَ لنا به واعفُ عنا واغفِر لنا وارحمنا والحمدُ لله ربّ العالمين.