سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات قصة إسلام - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قصة إسلام عَمرُو بن الْجَموح الأنصاري


قصة إسلام عَمرُو بن الْجَموح الأنصاري
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

كان عَمرو بنُ الجموحِ زعيمًا من زعماء يثربَ في الجاهليةِ ورجُلاً يتحلى بالمروءة والجودِ والكرمِ، وقد كانَ من عاداتِ الجاهليةِ أن يتخذَ أشرافُها أصنامًا لأنفسِهم في البيتِ للتمسّحِ به والذبحِ له في المواسم. وفي بيتِ عمرِو بن الجُموح أقيمَ صنمٌ يسمى "مناة" جاء بالخشب الذي صنعه منه من الحبشة وكان من أغلى أنواع الخشب، وكان عمرو يرعى صنمه ويعتني به ويدهنه بأحسن وأجود أنواع العطور.
وبينما بيت عمرو بن الجموح على هذه الحالة السيئة إذ بأخبار مصعب ابن عمير تصل إلى ءاذانه وتملأ أسماعه وأسماع الناس، في البداية لم يلقِ بالاً لما سمع ولكنه وجد أن الأمر يسري كسريان الرياح وبسرعة البرق ويأخذ قلوب الناس. وكان قد بلغ الستين عامًا في هذه الأثناء، ولم تمض أيام قليلة حتى جاءته الأخبار عن هذا الدين، فقد دخل أبناؤه الثلاثة وأمّهم السيدةُ هندٌ في دينِ الإسلامِ.
ولما ترامت إلى سمعِه أخبارُ دخولِ أبنائِه في دينِ الإسلامِ قالَ لزوجتِه محذّرًا: "يا هندُ احذري أن يلتقيَ أولادَك الرجلَ حتى نرى رأينا فيه".
فقالت له: ألم تسمع شيئًا من أبنائك عن هذا الرجل؟ قال: ما سمعت شيئًا عنه أيؤمنون بكلام هذا الرجل؟ قالت: ابنك معاذ يحضر بعض مجالس هذا الرجل المكي وقد حفظ بعضًا من كلامه. فقال في حِدة وغضب حاول إخفاءَه عن زوجته: أين هو الآن؟ أحضريه هنا أمامي. فنادت هندٌ ابنَها معاذًا وجاء بين يدي والده فقال له: أحضرت مجلس مصعب بن عمير؟ فقال معاذ: نعم يا أبي وسمعت منه كلامًا طيبًا ينير القلوب ويصفّي النفوسَ. قال عمرو: أسمعني شيئًا مما يقول هذا الرجل، فقرأ عليه سورة الفاتحة.
صمت عمرو برهة وقال لابنه كأنما يحدّث نفسَه بصوتٍ هادئ: ما أحسن حديث هذا الرجل وما أجمل كلامه. وهل كل حديثه بهذا الجمال؟ فرحَ الفتى بكلمات أبيه واندفع نحوه فرحًا يقول: هل لك أن تبايعه يا أبي، لقد بايعه عشرات من الناس، كثير منهم من أشراف المدينة.
قال عمرُو بنُ الجموحِ: أمهلني يا بني حتى أعود إلى صنمي فأستشيره في الأمر فقال له ابنه: وهل يجيب أخرس؟ ثم توجه عمرو إلى صنمه وبدأ يستشيره ولكن ما من مجيب؟ فهذا جمادٌ لا يتكلَّم.
وشعر ابنُه معاذٌ وإخوتُه بأن هذا الصنم خطرٌ عليه، فجاءوا ذاتَ ليلةٍ، وحملوا الصنمَ من مكانِه وأخذوهُ مسافة كبيرة، وألقوه في ظاهر المدينة في مكان يلقى فيه الأقذار. وأصبح عمرو بن الجموح فدخل إلى حجرة صنمه لكي ينظر إليه كما كان يفعل كل يوم إلا أنه فوجئ بعدم وجوده في مكانه، فخرج يسأل زوجته وأبناءه قائلاً: أين مناة؟ أين صنمي؟ وظل يبحث عنه في بيته وفي أرجاء المدينة حتى وجده ملقى في حفرة على رأسه، عند ذلك أيقن تمام اليقين أن عبادة هذا الصنم محض هراء وباطل فعاد إلى المسلمين يبحث عنهم ودخل مؤمنًا بربه، داخلاً في رحاب الدين، فكان إسلامه ختام مسك في حياته.
رحم الله عمرو بن الجموح الأنصاري الذي رضي بالله ربًا وبمحمد نبيًا وبالإسلام دينًا. اللَّهمَّ أَرِنَا الحقَّ حقًا وارزقنا اتباعَهُ وأرِنا البَاطِلَ باطلاً وارزُقنا اجتِنابَه.