هل تعلمُ أنَّ إبليسَ عليهِ اللعنةُ إلى يومِ الدينِ؟


هل تعلمُ أنَّ إبليسَ عليهِ اللعنةُ إلى يومِ الدينِ؟
الموسم الرابع - الحلقة الثامنة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد أشرف المرسلين وخاتم النبيين، أما بعد:
فلما اكتمل خلق ءادم عليه السلام أمر الله تبارك وتعالى الملائكة بالسجود له، فامتثلوا لأمره تعالى وسجدوا كلهم لأنهم كما وصفهم الله تعالى في القرءان الكريم: ﴿لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ وسجود الملائكة لآدم عليه السلام كان سجود تحية وإكرام لا عبادة له، وذلك ليعلمهم أن هذا الخلق الذي خلق الآن هو أفضل منكم أيها الملائكة، مع أن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ليسوا مثلنا، لا يشغلهم نوم ولا يشغلهم جوع ولا عطش، ما خلق الله فيهم داعية النوم ولا داعية الأكل ولا داعية الشرب، ومع ذلك أمر الملائكة الكرام بأن يسجدوا فسجدوا كلهم.
فسجود المخلوق للمخلوق كان جائزًا في شرائع الأنبياء ثم حرمه الله في شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أمر الله إبليس بالسجود لآدم عليه السلام، ففي مسند الإمام أحمد رحمه الله أن الله تبارك وتعالى لما خلق ءادم عليه السلام في الجنة تركه ما شاء أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، فعرف أنه خلق لا يتمالك وفي هذا الحديث الصحيح إثبات أن ءادم عليه السلام خلق في الجنة وأن إبليس اللعين كان يدور حول هيكل ءادم عليه السلام في الجنة، وذلك قبل نفخ الروح، فرءاه أجوف أي له جوف، فعرف أنه خلق لا يتمالك أي ليس كالملائكة ولا كالجمادات بل هو أضعف من ذلك.
وعندما أمر الله إبليس بالسجود لآدم كان في ذلك الوقت مسلمًا مؤمنًا من الجن يعبد الله مع الملائكة، فلا هو طاووس الملائكة ولا رئيسهم ولا هو حتى منهم ويدل على ذلك قول الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم: ﴿وإذ قلنا للملآئكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه﴾. استكبر واعترض على الله كيف يأمره وهو خلق من نار وءادم من طين، فظهر منه ما كان سبق في علم الله ومشيئة الله من كفره باختياره، فإن قال قائل: "إن معنى ﴿كان من الجن﴾ أي كان مستترًا كما الجن يستترون والملائكة مستترون وليس معناها أنه لم يكن من الملائكة." فالجواب أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "خلق إبليس من مارج من نار" كما رواه مسلم رحمه الله، والله تعالى قال: ﴿وخلق الجآن من مارج من نار﴾ فيفهم من هذا أن إبليس خلق من نار أي أنه من الجن وليس من الملائكة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "وخلقت الملائكة من نور وخلق ءادم مما وصف لكم."
فهذا الحديث وهذه الآية دليل قوي على أن إبليس لم يكن من الملائكة بل كان من الجن، فإبليس لعنه الله استكبر واعترض على الله ولم يمتثل لأمره وقال: أنا خير منه ﴿خلقتني من نار وخلقته من طين﴾ يعني النار أشرف من الطين، كيف أنا أؤمر بأن أسجد لهذا الذي خلق من طين؟ عندئذٍ كفر، قبل ذلك كان إبليس مسلمًا وكل من يعترض على الله فهو أخو إبليس اللعين.
فأمره الله بالخروج من الجنة، قال تعالى في القرءان الكريم: ﴿قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين﴾ الرجيم معناه ملعون لكن "إبليس طلب من الله أن ينظره أي يؤخره إلى يوم البعث أي يوم الخروج من القبور، قال تعالى مخبرًا عن قول إبليس: ﴿قال ربِّ فانظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم﴾ ولكن الله لم يجبه إلى ذلك بل أخره إلى النفخة الأولى ليذوق الموت الذي حكم الله به على خلقه، فإبليس يعيش على الكفر ويموت على الكفر ويبعث على الكفر. إبليس الله تعالى شاء له ذلك وهو ما زال حيًّا والله أعلم وأحكم
ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين