هل تعلم أن إبليس يتربّص المهالك لبني ءادم؟


هل تعلم أن إبليس يتربّص المهالك لبني ءادم؟
الموسم الرابع - الحلقة السابعة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَآئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (۱۱٦) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (۱۱٧)﴾ [سورة طه]. إن الجن عدو الإنس، من أيام جدهم إبليس بيننا وبينهم عداوة. لكن من أسلم منهم فيهم طيبون، فيهم علماء وفيهم أتقياء صالحون. أما كفارهم فعداوتهم للمسلمين شديدة، وأكبر عداوتهم للأنبياء والأولياء. فالشياطين يكرهون الإنسان، فعلى حسب تمسك المسلم بالدين يكرهونه، من كان صالحًا تقيا هذا أشد عداوة لهم أكثر من غيره لكن الله تعالى يحفظ الأتقياء ولولا ذلك كانوا أبادوا المؤمنين الأتقياء.
وأكره الناس إليهم هو سيدنا محمَّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأنه أفضل خلق الله وأكمل خلق الله وأخشى خلق الله لِلّه، لذلك يكرهونه أكثر من كل البشر.
الشياطين حاولوا عدة مرات أن يؤذوا رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقد روى السيوطي في الخصائص الكبرى أن إبليسَ اللعين مرة كَانَ على جبلٍ قُبالةَ بابِ الكعبةِ وسيّدُنا مـحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سَاجِدٌ في الكعبةِ فحَلَفَ إبليسُ ليطأن مُـحَمدًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فركضَ جبريلُ وضرَبَهُ ضربةً طَيَّـرَتْهُ إلى العراقِ ولو كان كُتب لإبليس اللعين الموت لَمات من تلك الرفسة لكن كتب الله له البقاء والحياة إلى يوم النفخ في الصور. الله تعالى شاء لإبليس أن يبقى حيا إلى نهاية الدنيا إلى أن ينفخ إسرافيل في البوق في الصور، أما ذريته فيموتون على ءاجال مختلفة إلا أنهم أطول ءاجالا من البشر.
وجاءَ ذاتَ يوم جنودٌ منَ الشياطينِ وكانَ فيهم مَنْ يَـحْمِلُ شعلة من نار ليَرميَها في وَجْهِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فأعطى اللهُ تعالى رسولَهُ عليه الصلاة والسلام مَقْدِرَة على أنْ أمسكَ أحدَهُم وخَنَقَهُ فهزَمَهُم اللهُ تعالى.
وكذلكَ جاءَ إبليسُ مرةً إلى الـمُشركينَ بصورةِ إنسانٍ مِن نَـجْدٍ وكانوا يَتَآمَرُونَ على الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إما لِقَتْلِهِ وإما لـحَبْسِهِ وإما لِنَفيِهِ مِن مكةَ فدَخَلَ معهُم إبليسُ في الـمُؤَامَرةِ وفضَّلَ رأيَ القَتْلِ على غيرِهِ منَ الآراءِ لكنَّ اللهَ ردَ كيدَهُم ومَكْرهُم وأخبرَ نبيَّهُ بالوحيِ فذَهَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ الفَجْرِ من بيتِهِ وغَادرَ ذلكَ الـمَكانَ فلـم يَـجِدُوا إلَّا عليَّ بنَ أبي طالبٍ كرَّمَ اللهُ وجهَهُ فنجاهُ اللهُ من مَكْرِهِم الذي كانَ إبليسُ معَهُم فيهِ.
ومرة تجمع الشياطين في الجبال والوديان وتوجهت إلى النبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وفيهم من هو يحمل شعلة نار ليحرق بها وجه رسول الله فقال له جبريل: قل، فقال "ماذا أقول؟" قال له: "قل أعُوذُ بِكَلِمَـاتِ اللـهِ التَّامَّاتِ، الَّتِي لا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وذَرَأ وبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الأرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ، ومِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمـنُ" رواه احمد والطبراني.
هذا ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانَ يتعوذُ بالـمُعَوّذتَينِ وهوَ أطهرُ خَلقِ اللهِ وأنْوَرُهُم بصيرةً فكيفَ لا يـحتاجُ غيـرُهُ أن يتعوذَ. لـم يَقُلْ عليه الصَّلاة والسَّلام: أنا نبيُّ اللهِ يَنْزِلُ عَلَي الوحيُ صباحَ مساء والـملائكةُ أحبابـي وأنصارِي فلا أستفيدُ منَ التعوذِ. فمَنْ تَعَودَ على التَحصنِ بـهذا الحِصنِ في حالِ صحتِهِ كانَ ذلكَ أحفَظَ لهُ عندَ التعرُّضِ لأذى الجِن أو الإنسِ، ولولا أنَّ اللهَ لهُ عنايةٌ بعبْده المؤمنِ وأَمَتهِ الـمؤمنةِ كانَ للشياطينِ شأن أشد مِـما هو عليهِ فلولا حفظُ اللهِ لتخَطفُونا منَ الأرضِ. اللهُ تعالى كَلَّفَ بِنا ملائكةً يتعاقَبُون ليلَ نـهارَ يـحفَظُونَنا مِـمَّا لـم يُقَدِرِ اللهُ أن يُصيبَنا وما قدرَهُ اللهُ لا يـحفَظُونَنا منهُ واللهُ سبحانهُ وتعالى أعلمُ وأحكم.
اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا وزدنا علما ونعوذ بك من حال أهل النار وءاخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.