هل تعلم أن اللوح المحفوظ كتب فيه كل ما يكون في الدنيا؟


هل تعلم أن اللوح المحفوظ كتب فيه كل ما يكون في الدنيا؟
الموسم الرابع - الحلقة السادسة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: "كانَ اللهُ ولَمْ يَكُنْ شئٌ غيْرُهُ وكانَ عرشُهُ على الماءِ وكَتَبَ في الذِّكْرِ كلَّ شىءٍ ثُمَّ خَلَقَ السَّمواتِ والأرضَ". فقولُه: "وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شىءٍ" يَدُلُّ على أنَّ القلمَ الأعلى هو ثالثُ مخلوقاتِ اللهِ تعالى.
فبَعد خَلق الماء والعَرش خَلق الله تَعالى القلم الأَعلى وهُو ثالث المخلوقات جرم علوي عظيم جدا ليسَ كأقلامنَا، خلق قَبْل اللوْح المحفوظ، قالَ اللهُ تعالى في القرءان الكريم: ﴿ن*وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (۱)﴾ [سورة القلم]، ثم خلق الله تعالى بَعد القلم الأعلى اللوحَ المحفوظ وهو رابع المخلوقات قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ (۲۱) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (۲۲)﴾ [ سورة البروج].
هذا اللَّوح المحفوظ ليسَ كدفاترنا ولا كهذِهِ الألواحِ التي نَكتب عَلَيها إِنّما هو جِسمٌ كَبير عَظيم جِدا مِقدارهُ مِقدار مسافَةِ خمَسِمائةِ عامٍ، اتساعهُ ومِساحتهُ مَسيرةُ خمسِمائةِ عامٍ، طولُه ما بينَ السماء والأرض وعَرضه ما بين المشرق والمغرِبِ، ورد في وصفهِ أنه من درة بيضاءَ حَافتاهُ ياقوتة حمراءُ فاللوْحُ الذي هو عِبارةٌ عنْ جِرْم عُلْوِي ولَيسَ كأَلْواحنَا قيل هو تحت العرشِ وقيلَ فوقَه، قَالَ بَعضُ العُلَمَاءِ:"اللوْح الْمَحفُوظُ فَوق بَعض الْعَرْش لَيْسَ مُتصِلا بِهِ".
وقَد أَمَرَ اللهُ القَلَمَ الأعلى أَن يجري على اللوحِ المحفوظِ فَجرى بِقُدرَةِ اللهِ ومِن غَيرِ أَن يمسهُ أَحَد مِنَ الخَلق وسَطَر أي كتب في اللَّوحِ المحفوظِ كُل ما سَيكونُ في العالم حتى نهايةِ الدنيا، وهذا مَعنى حديثِ رَسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ الذي رَواهُ أَحمَد والتِّرمذي عَن عُبادَة بنِ الصّامِت عَن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ قالَ: "أَوَّل ما خَلَق اللهُ القلم ثم قالَ اكتُبْ فَجَرى بما هو كائن إِلى يومِ القِيامَةِ". فكتب ما يكونُ مِنْ أجسام المخلوقات وأرزاق العباد وأعمارهم أي ءاجالِهم، فلان الفلاني يعيشُ كذا ويُرزق مِنَ الرزقِ كذا ثم يموتُ بعدَ كذا مِنَ الوقتِ مِنَ الزمنِ. كذلكَ تطورات أحواله ما يُصيبهُ مِنْ مرض وَمِنَ الصحة كل هذا كتبَهُ القلمُ بقدرة اللهِ مِنْ دون أن يُمسكه مَلك لأنهُ ما خلقت الملائكةُ في ذلكَ الوقتِ.لايوجدُ ذلكَ الوقت إلا الماءُ والعرشُ والقلم واللوح المحفوظ، لا يوجدُ شئ مِن خلقِ اللهِ حتى النور والظلام ما كانا، بعد ذلكَ خلقَ اللهُ النورَ والظلام.
فهذا القلمُ ما تركَ شيئا مما يحصل إلى انتهاء الدنيا، أما ما بعد انتهاءِ الدنيا فذاكَ أمر لا يدخل تحت الحصر، اللوحُ المحفوظ جِرم مخلوق عظيم واسع المساحةِ فلا يمكن في العقل أن يكتب فيه كل ما يحصل مما لا انتهاء لهُ، كحركات أهلِ الجنةِ وحركاتِ أهلِ النارِ، وتصرفات أهلِ الجنة في الجنة التي لا نهاية لها ولا فناء لها، لذلكَ لا يدخلونَ في الحصرِ أما اللهُ فيعلمه.
والدَّليلُ مِنَ القُرءانِ الكَريمِ على أَن كُل شَئ كائِن في هذا العالَمِ حتّى يَومِ القِيامَةِ مُسَجَّل في اللوحِ المحفوظِ هُو قولُهُ تَعالى: ﴿وَكُلَّ شَئٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ (۱۲)﴾ [سورة يس]، فعِلْمُ اللهِ غيْر مُتناه، أمَّا المكتوبُ في اللوحِ المحفوظِ فشئٌ مُتناه، واللَّوح ليسَ فيهِ تفاصيل ما يقع في الآخرةِ لأن هذا شئ لا نهايةَ لهُ.
وأما الدَليل مِنَ الحديثِ فقولهُ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ: "كَتَبَ اللهُ مَقاديِرَ الخلائق قَبلَ أَن يخلُقَ السَّمـواتِ والأَرضَ بِخَمْسِين أَلف سَنَة وكانَ عَرشهُ على الماءِ" رَواهُ مُسلِمٌ.
وهناكَ أقلامٌ أُخرى غيرُ ذلك القَلمِ تَستنسخ بها الملائكة منَ اللوحِ المحفوظِ ما أمِروا بهِ، بدليلِ الحديثِ أنه صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ:"حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ" أَيْ أَقْلام الْمَلائكة الَّتِي تَستنسخُ بِهَا مِنَ اللوْح الْمَحْفُوظِ.