هل تعلم أنّ حول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله؟


هل تعلم أنّ حول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله؟
الموسم الرابع - الحلقة الخامسة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قالَ اللهُ تَعالى في القرءان الكريم: ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(۱۲٩)﴾ [سورة التوبة] فالعرش سرير لَهُ أَربع قَوائِم ومَكانه فَوقَ السَّمـوات السبع وهُو سَقفُ الجنةِ مُنفَصِل عَنها ويَدل على ذَلِك ما رَواهُ البُخاري في صَحيحِهِ أَن النبي صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ قالَ: "إِذا سألتُم اللهَ الجنَّةَ فاسأَلوهُ الفِردوسَ فَإِنَّهُ أَعلى الجنَّةِ وأَوسَطُها وسَقفُهُ عَرشُ الرَّحمـنِ".ثم إ ن حول العرش ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، هُو أَكبرُ مخلوقاتِ اللهِ حَجمًا ومِساحة وامتِدادا، قالَ رَسولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلَّمَ: "ما السَّمـواتُ السَّبعُ مَعَ الكُرسيّ إِلَّا كَحَلَقَةٍ مُلقاةٍ بِأَرضٍ فَلاةٍ، وفَضلُ العَرش على الكرسيّ كَفضل الفَلاةِ على الحلَقَةِ" رَواهُ ابنُ حِبّان وغَيره.
والعَرشُ يحمِلُهُ أَربَعة مِن أَعظَم الملائِكَة ويومَ القِيامَة يَكونونَ ثمانِيَة قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (١٧)﴾ [سورة الحاقّة]، وقَد وَصف الرسول صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ أَحد حملة العرش بِأن ما بَين شَحمة أذنه إِلى عاتقه مسيرة سَبعِمائة عام بخفقان الطير الْمُسرع رَواهُ أَبو داودَ. ويَستحيل عقلا أن يكون العرش مَقعَدا لله فكيف يَكون الرب الذي هو خالِق للعَرش وغيره محمولا على سَرير يحمِله الملائِكَة على أَكتافهم؟ قال الله تعالى في القرءان الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ (١٥)﴾ [سورة فاطر]، فقدْ أثبت اللهُ تبارك وتعالى الفقرَ والحاجة لعباده ونفى ذلكَ عن نَفْسه بقوله: ﴿وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ﴾
كما لا يَصح تَفسير قَول الله تَعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)﴾ [سورة طه] بجلس؛ لأَن الجلوس مِن صِفات البشر والجنِ والملائِكة والدواب بَل معنى قَول الله تَعالى ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)﴾ [ سورة طه] قهر لأن القهر صفة كمال لائق بِالله تعالى لذلك وَصف اللهُ نفسه فَقالَ: ﴿وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(۱٦)﴾ [سورة الرعد].
فَالله خلق هَذا العَرش العَظيمَ لحِكمَة، خَلقه إِظهارا لِعَظيم قُدرَته ولم يَتخِذْهُ مَكانا لِذاته، لأَن المكانَ مِن صِفات الخلقِ والله سُبحانَه تنزهَ عَنِ المكان والزمانِ، قالَ الإِمامُ الطحاوي رضِي الله عنه في عقيدته التي ذكر في أوّلِها هذا ذكر عقيدة أهل السنة والجماعة: "لا تحويهِ - أَي الله - الجِهات السِّت كسائِرِ الـمُبتَدَعاتِ"، وقالَ سَيِّدنا علي رَضِي اللهُ عَنه: "إن اللهَ خلق العَرش إِظهارا لقدرته ولم يتخذه مَكانا لذاته" رَواهُ عَنه الإِمام أَبو مَنصور البغدادي. فَالملائكة الكرامُ الحافون حول العَرشِ والذينَ لا يَعلم عددهم إلّا الله يسبحون الله تَعالى ويقدسونه ويَزدادون علْما بكمال قدرة الله سبحانه وتَعالى عندَما يرون هذا العَرش العَظيمَ
ومعنى قَهرِ اللهِ للعرشِ الذي هو أعظمُ المخلوقات أن العرشَ تحت تصرفِ اللهِ هو خلقَه وهو يحفظه، يحفظُ عليهِ وجوده ولولا حفظ اللهِ تعالَى له لهوَى إلى الأسفلِ فتحطم، فاللهُ تعالَى هو أوجده ثم هو حفظه وأبقاه، هذا معنى "قهر العرشَ"، هو سبحانَه قاهر العالمِ كله، هذه الشّمس والقمر والنجوم لولا أن الله يحفظها على هذا النظام الذي هي قائمة عليه لكانت تهاوت وحطم بعضها بعضا واختل نظام العالمِ. كذلك الإنسان قهره اللهُ بالموت، أي ملك وأي إنسان رزق عمرا طويلا لا يملك لنفسه أن يحمي نفسهُ من الموت فلا بد أن يموتَ. فآيةُ الاستواءِ تُحمَل على القهر، أو يقالُ استوى استواءً يليقُ به، أو يقالُ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)﴾ [ سورة طه] بلا كيف.
فيحب الإيمان بوجود العرش والكرسي لأن الله تعالى نصّ عليهما في القرءان الكريم والعرش هو أعظم الأجسامِ من حيث المساحة وأما الكرسي فهو تحته وهو بمثابة ما يضع راكب السرير قدمه وهو صغير جدا بالنسبة للسرير.
والله أعلم وأحكم.