هل تعلمُ ما هي العبرُ المستفادةُ مِنْ سيرةِ ءادمَ عليهِ السلامُ؟


هل تعلمُ ما هي العبرُ المستفادةُ مِنْ سيرةِ ءادمَ عليهِ السلامُ؟
الموسم الرابع - الحلقة الثالثة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

لقد كرّمَ اللهُ تعالى ءادمَ عليهِ السَّلامُ بمنزلةٍ رفيعةٍ، فهو أولُ أنبياءِ اللهِ تعالى وأولُ رسلهِ الكرامِ وأولُ البشرِ وأبوهُم الأولُ، لذلك اهتمَّ المسلمونَ الأوائلُ بسيرتهِ وحرِصُوا على متابعةِ أدقِّ تفاصيلِ حياتهِ، واعتنى مَنْ جاءَ بعدَهم مِنَ المسلمينَ بهذه التفاصيلِ؛ فكلّما تباعدَ الزمانُ والمكانُ ازدادَ الحنينُ إليهِ وإلى معرفةِ سيرتهِ العطرةِ .مَنْ قرأَ تواريخَ الأنبياءِ عليهمُ السَّلامُ يعلمُ حقيقةً أنَّ الأنبياءَ والرسلَ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانوا أشدَّ الناسِ بلاءً في الدّنيا ليزيدَهمُ اللهُ شرفًا، ومِنْ هؤلاءِ ءادمُ عليهِ السَّلامُ.
أليسَ ابتُليَ بلاءً عظيمًا بخروجهِ مِنْ تلكَ الجنَّةِ التي ليسَ فيها مرضٌ ولا تعبٌ ولا جوعٌ ولا عطشٌ، ولا يُشتكى فيها مِنْ صداعِ رأسٍ وما هو أشدُّ مِنْ ذلكَ، ولا مِنْ أذى برْدٍ ولا مِنْ حرِّ شمسٍ؟ الجنّةُ كلُّها نورٌ، راحةٌ على الدوامِ، ليسَ فيها إلَّا النَّعيمُ، أُخرجَ منها عليه السلام إلى الأرضِ التي لم يكُنْ له فيها بيتٌ، فتغيرتْ عليهِ الحالُ. بعدَما خرجَ مِنَ الجنَّةِ قاسى تعبًا لكنَّهُ صبرَ ولَـمْ يتسخطْ على ربِّهِ ولم يَزدْهُ ذلك إعراضًا عن طاعةِ اللهِ تعالى
ءادمُ وحواءُ عليهما السلام في الجنَّةِ ما كانا يجدانِ أيَّ نوعٍ مِنْ أنواعِ الأذى والنَّكدِ ومقلقاتِ النفوسِ ومزعجاتِها، ما كانا يقاسيانِ شيئًا بالمرةِ لا القليل ولا الكثيرَ ولا الخفيف ولا الثقيل، ما كانَ يُصيبهما شئ إلا المناظر الحسنةُ الجميلةُ والشرابُ اللذيذُ والأكلُ اللذيذُ. أخرجا بسببِ تلكَ المعصية مِنْ ذلك المكانِ إلى هذهِ الدنيا التي هي مملوءة بالآفات والأمراض والأوجاع والمزعجات التي لا يُحصيها إلا اللهُ، حتى هذا الخروج -البول والغائط- الذي يحصل للإنسان أليسَ يقاسِي منهُ تعبا إلى حد ما؟! أليسَ يتأذى مِنْ رائحته؟ حينَ كانَ ءادمُ عليهِ السَّلامُ وحواءُ في الجنةِ لم يكُنْ هذا، كانا يأكلان ويشربان مما أُبيح لهما ولا يحصلُ لهما بول ولا غائط.ثم في الأرض أليس قتل أحد ابنيهِ الآخرَ ظلما، وكانَ قبلَ ذلكَ ما جرى قتلُ إنسانٍ؟ أولُ حادثةِ قتلٍ كانتْ تلكَ الحادثةَ فحزن عليهِ ءادمُ عليهِ السَّلام حزنًا كبيرًا وبكى عليه ءادمُ وحوّاءُ أياما كثيرة، ومعَ ذلك صبرَ ءادمُ عليهِ السَّلامُ على بليتهِ؛ لأن الإنسانَ تعلو درجتهُ عندَ اللهِ بحسب صبرهِ، يقول الله عز وجل في القرءان الكريم: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (۱۰)﴾ [سورة الزمر].
فانظُرْ أخي، أختي إلى هذه الشدة وتأمل هذا البلاء وادع الله تعالى أن يُنجِينا في هذه اللحظةِ وَاعلم أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قالَ: "احفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احفَظِ اللهَ تجِدْهُ تُجاهَك" فسرها بعضُ العلماءِ فقالَ: احفَظْ أوامرَ اللهِ تعالى في الرخاء، يحفظْك اللهُ تعالى عند الشدةِ واحفظْ أوامرَ اللهِ تعالى في حالِ صحتِك، يحفظْك اللهُ عزَّ وجلَّ في تلك اللحظةِ مِنْ كيدِ الشيطانِ وينجيكَ منهُ. فاتقوا اللهَ، وتفكَّرْ أخي بالموتِ واذكُر هَاْدم اللذاتِ واذكُرِ القبرَ الذي أنتَ صائر إليهِ واستعد لهُ.
وقد روى البخاري وغيرُهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "مَنْ يُردِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ" ومعناه أن اللهَ تعالى إذا أراد لعبده المؤمن درجة عالية يحميه مِنْ مصائب الدينِ ويُكثرُ عليهِ مِن مصائبِ الدنيا وتحمُّلِ البلاءِ ويُعينُهُ على الصبرِ. إنَّ مَنْ عرفَ دينَ اللهِ وتمسكَ بهِ كما يجب لا تزيدهُ كثرةُ المصائبِ والشدائدِ عليهِ إلَا صبرا والتزامًا بالعبادةِ، بل يصلُ إلى حدّ أنهُ يكونُ فرحُهُ بالبلاءِ أكبرَ مِنْ فرحهِ بالبسطِ والرخاءِ.
الدنيا دارُ بلاءٍ لا يصفُو نعيمُها، لذاتُها سرعانَ ما تنكدرُ، مهما علا مركَزُ العبدِ فيها فإنه لا بُد أن يحزَنَ ولا بدَّ أن ينالَه الأذى، لو كانت تصفو لأحدٍ لصفتْ لأنبياء اللهِ تعالى. فطوبى لمن صبرَ، نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلَنا مِنَ الصابرينَ المحتسبينَ. إنّا لله وإنا إليه راجعون، وءاخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.