هل تعلمُ أنَّ الحجر الأسود كان يضيء كل أطراف الكعبة؟


هل تعلمُ أنَّ الحجر الأسود كان يضيء كل أطراف الكعبة؟
الموسم الرابع - الحلقة التاسعة عشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا وحبيبنا محمد أشرف المرسلين وخاتم النبيين وحبيب رب العالمين وشفيع المذنبين يوم الدين أما بعد:
فإن الحجر الأسود أصله ياقوتة من يواقيت الجنة، روى الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "الحجر الأسود من الجنة." لقد نزل الحجر الأسود من الجنة مع ءادم عليه السلام وهو أشد بياضًا من اللبن، فسودته خطايا بني ءادم، فعن عبد الله بن عمرو عن أحمد: "الحجر الأسود من حجارة الجنة، لولا ما تعلق به من الأيدي الفاجرة ما مسه أكمه ولا أبرص ولا ذو داء إلا برئ." أخرجه سعيد بن منصور، وعندما بدأ نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة أرادا أن يكون مكان بدء الطواف ظاهرًا للناس، فأحضر جبريل عليه السلام الحجر ووضعه مكانه، وكان الحجر في ذلك الوقت يتلألأ من شدة بياضه، فكان يضيء كل أطراف الكعبة، وقد غرس في بناء الكعبة ولم يظهر منه إلا رأسه الذي أصبح أسود بسبب الذنوب، فإن قيل: "كيف تأثر الحجر الأسود بالذنوب؟" فالجواب أن خطايا بني ءادم تكاد تؤثر في الجماد، فتجعل المبيض منه أسود، فكيف بقلوبهم؟ ومما يؤيد هذا أنه كان فيه نقط بيض ثم لا زال السواد يتراكم عليها حتى عمها.
والحاصل أن الحجر بمنزلة المرءاة البيضاء في غاية الصفاء ويتغير بملاقاة ما لا يناسبه من الأشياء حتى يسود لها جميع الأجزاء، وفي الجملة الصحبة لها تأثير بإجماع العقلاء. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شارك قريشًا في نقل الحجر الأسود ووضعه في موضعه بعد أن اختلفوا على من سيضعه في مكانه، ثم رأوا أن يحكموا بينهم أول من يدخل عليهم، فكان أول داخل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه في ذلك الوقت لم يكن نبيًّا، وحين رأوه قالوا: "هذا الأمين وكلنا راض حكمه." فكان من رجاحة عقل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أن أنهى النزاع والخلاف بينهم بطريقة حكيمة، فأشار عليهم بأن بضعوا الحجر الأسود في ثوب ثم يمسك كل شيخ قبيلة أحد أطراف الثوب فقاموا بذلك، وبعد أن وصلوا إلى مكان الحجر أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم بيده ووضعه في مكانه وظل هذا الحجر من رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع التكريم، فكان يقبله وهو حجر.
وقد ذكر أهل العلم أنه يشرع للحاج والمعتمر استلام الحجر الأسود وتقبيله أثناء الطواف بالكعبة، فإن الحجر الأسود هو جزء من أركان الكعبة المشرفة الأربعة، يحاذي في موقعه الركن اليماني حيث يقع في الناحية الشرقية منه. والذي ينبغي على المسلم في ذلك أن يتيقن ويعتقد اعتقادًا جازمًا أن الحجر الأسود لا يضر ولا ينفع، إنما جرى العرف على تقبيله بناء على فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإرشاده إلى ذلك، فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر أثناء العمرة وقال: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك." رواه البخاري ومسلم.
وإنما قال ذلك عمر رضي الله عنه لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر رضي الله عنه أن يظن الجهال أن استلام الحجر تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر رضي الله عنه الفاروق أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته كما كانت تعتقده العرب في الأوثان، كأنه يقول: "نحن نريد الثواب باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في تقبيله أما ما يظنه الجاهلية فلا نعتقده." والحمد لله رب العالمين.
اللهم ارزقنا علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا اللهم تقبل منا وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين