هل تعلمُ أنَّ الحسدَ قد يوقعُ في سوءِ العاقبةِ؟


هل تعلمُ أنَّ الحسدَ قد يوقعُ في سوءِ العاقبةِ؟
الموسم الرابع - الحلقة الثامنة عشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وخاتم النبيين.
بعد أن هبطت السيدة حواء مع سيدنا ءادم عليهما السلام من الجنة ولدت أربعين بطنًا، وكانت تلد في كل بطن ذكرًا وأنثى، وكان سيدنا ءادم عليه السلام النبي الرسول الذي كان على دين الإسلام يزوج الذكر من كل بطن بأنثى من البطن الآخر ليتكاثر البشر، وكان لا يحل للذكر أن يتزوج أخته من نفس البطن، فولد مع قابيل أخت جميلة اسمها إقليمياء، وولد مع هابيل أخت أقل جمالًا اسمها ليوذا، فأراد قابيل أن يخالف الشريعة ويتزوج أخته التوأم إقليمياء رغبة بجمالها بدلًا من توأمة أخيه الطيب هابيل، وجادل قابيل أخاه هابيل، فأمرهما سيدنا ءادم عليه السلام بتقديم قربان وهو ما يتقرب به إلى الله عزَّ وجلَّ من ذبيحة أو صدقة، ثم توجه سيدنا ءادم عليه السلام إلى مكة المكرمة ليحج إلى البيت الحرام، وكان هابيل الطيب صاحب غنم فقرب كبشًا سمينًا أخذه من أجود غنمه قربانًا قاصدًا مرضاة الله سبحانه وتعالى فتقبله الله عزَّ وجلَّ، وكانت علامة القبول نارًا تنزل من السماء فتأخذ القربان، فرفع هذا الكبش إلى الجنة كما قيل، وبقي يرعى فيها إلى أن فدي به الذبيح إسماعيل عليه السلام.
وأما قابيل فلم يكن من أهل الطاعة والتقوى، فقدم حزمة من سنبل واختارها من أردأ زرعه، ثم إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها إمعانًا في بخله في تقديم الطيب، فلم يتقبل الله منه، وعندما رأى قابيل ذلك حسد أخاه هابيل الطيب، وصار الشيطان يوسوس لقابيل بأن يقتل أخاه ويرتكب بذلك أكبر المعاصي دون الشرك بالله وهو قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق. وهدد قابيل أخاه هابيل الطيب الذي كان أشد قوة منه بأنه سيقتله فرد عليه بأنه يخاف الله رب العالمين ولن يرد عليه بالمثل.
وسهلت نفس قابيل له المعصية وشجعته وصورت له أن قتل أخيه هين وروي أنه لم يكن يعرف كيف يقتله، فجاء إبليس اللعين إليه متشكلًا يحمل طيرًا فجعل يضربه على رأسه ليعلم قابيل ماذا يفعل بأخيه، ثم ذهب قابيل إلى أخيه ومعه حجر كبير، فوجده نائمًا فاقترب منه خلسة كي لا يوقظه، وفي لحظة الغفلة ضربه بالحجر على رأسه فشجه وجرت الدماء، فكان بذلك أول من قتل نفسًا بدون حق. ولما قتل قابيل أخاه صار يفكر ماذا يفعل الآن؟ فوضع أخاه المقتول في كيس جلدي وحمله على عنقه وسار به في البراري حتى تغير جسد هابيل، فأحس قابيل بالسباع والطيور تحوم فوقه وحوله تنتظر حتى يرمي الجثة فتأكلها. وبينما هو في حيرته، إذ جاء غرابان فاقتتلا أمام قابيل، فقتل أحدهما الآخر ثم نزل إلى الأرض يحفر له بمنقاره فيها.
وقيل إن قابيل كان يعلم الدفن ولكنه ترك أخاه بالعراء استخفافًا به، فبعث الله غرابًا ينبش التراب ويثير بمنقاره على جثة هابيل ليدفنه فقال عند ذلك: ﴿يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين﴾ حيث رأى إكرام الله تعالى لهابيل الطيب بأن سخر له الغراب حتى واراه. ثم إن سيدنا ءادم عليه السلام وحواء وأولادهما سخطوا على قابيل بسبب قتله لأخيه ولما عرفا أين دفن أتيا قبره وبكيا أيامًا عليه، ثم إن قابيل كان على قمة جبل فنطحه ثور فوقع إلى السفح ومات.
ونذكر أن قابيل الذي قتل أخاه هابيل الطيب كان مسلمًا ككل أبناء سيدنا ءادم عليه السلام الذين كانوا في زمانه على الإيمان ولم يكن كافرًا، ولكنه كان عاصيًا، لأنه ارتكب معصية كبيرة بقتله أخاه ظلمًا وعدوانًا، وأصل هذه القصة وموجزها مذكور في القرءان الكريم للتحذير من الحسد الذي أظهره بعضهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته، وبيان أن الحسد قد يوقع في سوء العاقبة كما جرى بين قابيل وهابيل الطيب.
اللهم ارزقنا عينين هطالتين تبكيان الدمع من خشيتك من قبل أن يصير الدمع دمًا والأضراس جمرًا وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين