هل تعلم معنى كل مولود يولد على الفطرة؟


هل تعلم معنى كل مولود يولد على الفطرة؟
الموسم الرابع - الحلقة الرابعة عشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا وحبيبنا محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين، أما بعد:
فقد دلت الأحاديث النبوية على أن الله تبارك وتعالى أخرج أرواح ذرية ءادم عليه السلام من ظهره كالذر ثم استنطقهم وأخذ عليهم العهد والميثاق وأشهد عليهم أنفسهم. روى النسائي وأحمد وابن جرير والحاكم في المستدرك بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر ءادم عليه السلام بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلًا قال: ﴿وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين﴾."
وهذا الميثاق أي العهد هو اعترافهم بعد أن استخرجهم من ظهر ءادم عليه السلام بعدما نزل إلى الأرض فصورهم وخلق فيهم المعرفة والإدراك بأنه لا إله لهم إلا الله، فجميع ذرية ءادم عليه السلام اعترفوا ذلك اليوم؛﴿وإذ أخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين﴾.
معنى الآية أن ءادم عليه السلام بعدما نزل من الجنة بأرض يقال لها نعمان الأراك، بقرب عرفات، هناك الله تعالى أخرج منه أرواح كل ذريته التي كانت مودعة في ظهره، حتى روح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وروح إبراهيم عليه السلام وموسى عليه السلام ونوح وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام، وكل روح بشري كانت موجودة في ظهر ءادم عليه السلام حتى الذين سيخلقون بعدنا إلى ءاخر فرد من البشر أخرجهم الله تعالى من صلب ءادم وركب فيهم العقل والمعرفة وقال الله لهم على لسان الملائكة: "ألست بربكم قالوا بلى لا إله لنا غيرك." فعرفوا خالقهم، فعرفوا أن الله موجود لا كالموجودات وأنه ليس جسمًا وأنه لا يستحق أحد أن يعبد غيره.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه." فمعنى "يولد على الفطرة" أي يكون مستعدًّا متهيئًا لقبول دين الإسلام، دين الحق الذي رضيه الله تعالى لعباده وجاء به كل الأنبياء. على الفطرة، أي على فطرة الإسلام لأنهم يولدون على مقتضى اعترافهم وتوحيدهم الذي حصل يوم أخرجت الأرواح من ظهر ءادم عليه السلام بنعمان الأراك. ثم لما ركبت الأرواح في أجسادهم نسوا ذلك العهد، أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئًا، ثم هذا الإنسان يكلمه أبوه بالمجوسية ويكلمه الآخر، أبوه، المسلم عن الإسلام فيقبل لأنه يكون مهيئًا لقبول ما يلقى إليه، فالفطرة هي مقتضى ذاك التوحيد الذي عرف حين أخرجت روحه من ظهر ءادم وصورت بصور صغيرة.
الله تبارك وتعالى عالم بما سيعمل هذا الإنسان قبل أن يخلقه، عالم لكنه يظهر لعباده من هو المطيع العامل بأوامر الله والمجتنب لنواهيه ومن هو العاصي، فخلق الموت والحياة ليبتلينا ويختبرنا أي ليظهر ما يحصل منا من الأعمال التي هو عالم بها في الأزل قبل أن يخلقنا، ليظهر ما علم الله تبارك وتعالى أنه سيحصل منا فيكون الجزاء على ذلك.
خلق الأرواح قبل الأجساد وكانت الأرواح مؤمنة، كل روح كانت تعلم أن الله تبارك وتعالى هو خالقها وأنه لا يجوز أن يعبد أحد إلا هو، كانت عارفة بذلك لأن الله خلق فيها تلك المعرفة قبل الأجساد، ثم لولا الروح لم يكن الإنسان مسؤولًا عن شيء مما يعمله، لكن من أجل الروح كان الإنسان مسؤولًا، لأن الروح هي التي تميز بين القبيح والحسن وهي التي تميز بين ما يحب وما يكره الله على حسب ما علم الأنبياء والبشر.
ثم معرفة الله تعالى وأنه لا إله غيره كانت الأرواح تعلم ذلك، وذلك لأن الأرواح كلها خلقت قبل الأجساد والله أعلم وأحكم.
اللهم ارزقنا علمًا نافعًا وقلبًا خاشعًا ولسانًا ذاكرًا وجسدًا على البلاء صابرًا اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين