هل تعلم أن الحاجة إلى العلم فوق كل حاجة؟


هل تعلم أن الحاجة إلى العلم فوق كل حاجة؟
الموسم الرابع - الحلقة الثالثة عشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

الحمد لله رب العالمين، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على نبينا وحبيبنا محمد أشرف المرسلين وخاتم النبيين، أما بعد:
فقد قال الله تعالى في القرءان الكريم: ﴿وإذ قال ربك للملآئكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون﴾. إن ءادم عليه السلام له فضل على كل البشر، فمن حيثية الأبوة له فضل ومن حيثية أنه هو علم الناس صنعة كل شيء أي أصول المعيشة، فهو علمهم كيف يزرعون ويحصدون وعلمهم كيف يبيعون ويشترون وكيف يستعملونه في الأكل، لولاه ما كنا نعرف كيف كنا نأكل، كنا نأكل لولاه الحشائش كالبقر، ونتدفأ بالاختفاء تحت التراب، كما أن الله علمه كيف يستخرج الذهب والفضة من الأرض وكيف يعمله عملة دينارًا ودرهمًا إلى غير ذلك من أصول المعيشة.
كذلك علم ءادم عليه السلام أولاده الإيمان بالله وملائكته وأن الله يرسل أنبياء يدعون إلى دين الله، وعلمهم أن الله ينزل كتبًا على بعض الأنبياء، وعلمهم أنه يأتي يوم يفني الله فيه الإنس والجن يموتون ثم يحييهم الله ثم بعد ذلك يحاسبون وأن المؤمنين بالله والأنبياء الملائكة يسوقونهم إلى الجنة والكفار يسوقونهم إلى جهنم، ثم يعيش المؤمنون في الجنة أحياء بلا موت إلى ما لا نهاية له، والكفار يعيشون في جهنم إلى ما لا نهاية له. نار جهنم قوية ومع ذلك الكفار لا يموتون فيها، حالهم كما قال الله تعالى: ﴿لا يموت فيها ولا يحيى﴾ معناه الكافر لا يموت فيذهب إحساسه بالنار ولا يحيى حياة يجد فيها راحة.
فالبشر لو لم يكن ءادم نبيًّا رسولًا لكانوا يعيشون كالبهائم، لكن ما كانوا يعيشون كالبهائم، كانوا يصلون لكن ليس خمس صلوات، إنما كان لهم صلاة، فقد ورد أنه فرض على ءادم عليه السلام وعلى ذريته صلاة واحدة في الأربع والعشرين ساعة؛ الله تعالى أفاض عليه علم هذه الأشياء من غير دراسة عند أحد من البشر أو عند أحد من الملائكة.
فمن هذا علمنا أن أفضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان، ولهذا قرن سبحانه وتعالى بينهما في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾ فالعلم حياة القلوب ونور البصائر وشفاء الصدور.
فبيان أهمية العلم في حياة المخلوقات عامة وحياة الإنسان خاصة من العبر والعظات المستفادة من قصة ءادم عليه السلام، لأن الحاجة إلى العلم فوق كل حاجة، فلا غنى للعبد عنه طرفة عين، وورد عن بعض أهل العلم أنه قال: "الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، فالرجل يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه." وكيف لا تكون هذه منزلة العلم وهو الذي به يعرف العبد ربه أسماءه وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه؟ وبهذه المعارف يحصل العبد أكمل السعادات وأشرف الغايات، به يخرج الله العباد من الظلمات إلى النور، قال الله تعالى: ﴿أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها﴾.
إن العلم والتفقه في الدين أسنى سائر الأعمال التي يتقرب بها العبد المؤمن إلى الله تعالى، والعلم هو أسنى ما أنفقت فيه نفائس الأوقات ومن أولى ما علقت به الرغبات؛ قال عليه الصلاة والسلام: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" رواه البخاري.
إن علم الدين يحتاج إليه سائر طوائف الناس، الحكام والآباء والأمهات والتجار وغيرهم، ولا يستغني عن العلم، عن علم الدين طبقة من طبقات الناس. ولما كان علم الدين في العصور المتقدمة الفاضلة، عصر الصحابة والتابعين وأتباع التابعين وما يلي ذلك أوفر بكثير، كانت حالة المسلمين مما صرنا إليه في هذه العصور.
اللهم ارزقنا علمًا نافعًا وقلبًا خاشعًا ولسانًا ذاكرًا ونعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين