هل تعلم أن الله أخبرنا عن تشريفه لبني ءادم وتكريمه إياهم؟


هل تعلم أن الله أخبرنا عن تشريفه لبني ءادم وتكريمه إياهم؟
الموسم الرابع - الحلقة الثانية عشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد أكرم المرسلين وعلى ءاله الطيبين وصحابته الكرام الميامين، أما بعد:
فقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا﴾. في هذه الآية الكريمة يخبر الله تعالى عن تشريفه لبني ءادم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها، كما قال: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾ أي يمشي قائمًا منتصبًا على رجليه ويأكل بيديه وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه، وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا يفقه بذلك كله وينتفع به ويفرق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدنيوية والدينية.
﴿وحملناهم في البر﴾ أي على الدواب من الأنعام والخيل والبغال، وفي البحر أيضًا على السفن الكبار والصغار، وأما قوله تعالى: ﴿ ورزقناهم من الطيبات﴾ أي من زروع وثمار ولحوم وألبان من سائر أنواع الطعوم والألوان المشتهاة اللذيذة، والمناظر الحسنة، والملابس الرفيعة من سائر الأنواع على اختلاف أصنافها وألوانها وأشكالها مما يصنعونه لأنفسهم ويجلبه إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنواحي.
لقد أراد الله سبحانه وتعالى إظهار نعمته على بني ءادم، فأخبرنا بأن تمكينهم من السير في البر والبحر وتمكينهم من الانتفاع بالطيبات من جملة ما أنعم الله به عليهم فضلًا منه وكرمًا ولما كان هذا التكريم يشمل المؤمنين والكافرين أعقب ذلك بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا﴾ ليعلمنا أن هذا التفضيل خاص بالمؤمنين فقط دون الكافرين، فالتكريم الأول إذًا يشمل المؤمنين والكافرين، لأن نعم الله التي أنعم بها على عباده تشمل المؤمنين والكافرين، فالجميع مشتركون في التمكن من السير في البر والبحر والتقلب في أرض الله ومن الطيبات من الرزق أي المستلذات ولكن الكافرين وإن شاركوا المؤمنين في النعم إلا أن هذه النعم تعود في الآخرة وبالًا عليهم، لأنهم لم يؤدوا شكر الله على هذه النعم، فلذلك هي نقمة عليهم في الآخرة، وبمجرد ما يفارقون الحياة الدنيا حرموا من رحمة الله، فلا تتنعم أرواحهم ولا أجسادهم، حتى النسيم يقطعه الله عنهم. وقد أخبر الله في القرءان الكريم بأنهم يطلبون من أهل الجنة أن يفيضوا عليهم من الماء أو مما رزقهم الله، فيجيبونهم أن الله حرمهما على الكافرين أي حرم عليهم الرزق النافع والماء الذي ينتعش به الروح ويرتاح له الجسد، إلا الحميم الذي أعد لهم، فذلك لا ينفعهم، إنما لتنويع العذاب عليهم لأنه في منتهى السخونة والحرارة، فإذا نزل إلى أجوافهم تقطعت أمعاؤهم من شدة حرارته، لكنهم لا يموتون، لأن الله لم يكتب الموت لأهل النار ولو كتب لهم لماتوا من شدة أذى هذه الحرارة التي في هذا الماء.
فالتكريم الذي يحصل للكافرين في هذه الحياة الدنيا هو التكريم بنعمة الصحة والجوارح ونحوهما وهو حظهم في هذه الحياة الدنيا أما في الآخرة فلا يصيبهم شيء من أثر هذا التكريم. الله سبحانه وتعالى فضلًا منه وكرمًا جعل رحمته في الدنيا عامة للمؤمنين والكافرين وجعلها في الآخرة خاصة بالمؤمنين دون الكافرين عدلًا منه لأنه تعالى ليس ملزمًا بشيء وليس لأحد على الله حق الإلزام بل هو الذي يلزم عباده بما شاء.
وأما التفضيل المذكور في الآية القرءانية فهو خاص بالمؤمنين من البشر دون الكافرين ومن أجل وجود النبوة في البشر صاروا مفضلين على غيرهم عند الله، ولولا الأنبياء لكانت الملائكة أفضل من البشر، فالأنبياء هم أفضل الخلق كما جاء في القرءان الكريم: ﴿وكلًّا فضلنا على العالمين﴾. العالمون المخلوقون، والدليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة أن الله أسجد الملائكة لآدم عليه السلام وذلك حين تمت خلقة ءادم إعلامًا لهم بأن هذا الذي يسجدون له تحية سيكون له شأن عظيم. والله أعلم وأحكم.
اللهم ارزقنا علمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا وجسدًا على البلاء صابرًا وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين