سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن الإصلاح بين الناس من أعظم القُربات وأجل الطاعات؟


هل تعلم أن الإصلاح بين الناس من أعظم القُربات وأجل الطاعات؟
الموسم الثالث - الحلقة التاسعة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

حذَّرَنا رسولُ اللهِ من الخلاف والاختلاف، ووقوع الهجر وحصول القطيعة وانتشار العداوة والبغضاء، وتفرق الكلمة وتشتيت الشمل ونحو ذلك مما لا يُحبه الله ولا يرضاه، ولاسيما بين الأحباب والأقارب والجيران.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [ سورة الحجرات/10]. وقال سبحانه:﴿فَاتَّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ الآية [سورة الأنفال /1].
الإصلاح مصدر الطمأنينة والهدوء ومبعث الاستقرار والأمن وينبوع الألفة والمحبة، وأما التنازع فمفسد للبيوت والأسر، مهلك للشعوب والأمم، سافك للدماء مبدد للثروات، قالَ اللهُ تعالى:﴿وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ﴾ الآية [سورة الأنفال/46].
جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: " تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يُشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينَه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا". الحديث ورد في اثنين تخاصما لأجل أمور دنيوية، بينهما شحناء كل منهما يُبغِضُ الآخر ويسعى للشر، هذان لا يغفر لهما مع غيرهم، مستثنَيان من المغفرة ، سواء كانا أقارب أو غير ذلك ، يُقالُ للملائكة أخّروا هذين حتى يتصالحا، أما لغيرهما يُغفَر ذينِك اليومين. لكن ليس معناه كل ذنوب أولئك يُغفَر بل لبعض الناس كل الذنوب ولبعض الناس يُغفَر بعض ذنوبهم.
ولذلك جاءت تعاليم الدِّين وتربيته الإسلامية السامية داعيةً إلى الإصلاح بين المـُتخاصمين والتوفيق بينهم، والاجتهاد في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الشأن، وما ذلك إلَّا لأن الإصلاح بين الناس يُعد من أعظم القُربات وأجلّ الطاعات وأفضل الصدقات.
روى البيهقي في الشعب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لَمَّا دَخَلَ الشَّامَ حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ وَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا خَطِيبًا كَقِيَامِي فِيكُمْ فَأَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَصَلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ...".
فالمصلح بين الناس له أجر عظيم وثوابٌ كريم إذا كان يبتغي بذلك مرضاة الله تعالى وصلاح أمور المسلمين وأحوالهم يقول الله تعالى:﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾]سورة النساء/114[.
بل إن أجره كما جاء في الحديث الشريف يفوق أجر وثواب الصائم القائم للنفل المشتغل بخاصة نفسه، فقد جاء في الحديث أن رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟" أي الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدقةِ النَّافلة - ؟" قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ : "إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ" الحديثَ رواه أبو داود وصححه البزَّار.
وجاء في حديثٍ ءاخر عن رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أن الإصلاح بين المسلمين المتخاصمين صلحًا جائزًا لا يُحِلُّ حرامًا ولا يُحَرِّم حلالًا يُعد من الصدقات التي ينبغي أن يتقرب بها المؤمن كل يومٍ إلى ربه عزَّ وجلَّ وذلك لوقايته مما يترتب على الخصام من قبيح الأقوال والأفعال؛ فقد صحَّ عند الإمام البُخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال:" كل يومٍ تطلع فيه الشمس تعدلُ - أي تُصلحُ - بين اثنين صدقة". ولقد كان رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يصلح بنفسه بين المتخاصمين، عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن أهل قباءٍ اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بذلك، فقال: "اذهبوا بنا نصلح بينهم" أخرجه البخاري.
وخرج عليه الصَّلاة والسَّلام للإصلاح بين أناس من بني عوف حتى تأخر عن صلاة الجماعة رواه البخاري.
فإذا ما حصل بينك وبين أخيك أو صاحِبِك أو جارِك بعض الخلاف ثم جاء إليك معتذرًا عن خطأٍ حصل منه أو تقصيرٍ أو نحو ذلك فأقبل معذرته ببشرٍ وطلاقة وكن معينًا له على الخير ولا تجعل للشيطان فرصةً يدخل منها بينكما فإنه لا يدخل إلّا بالشر والفساد والفتنة.
فيا إخوتي في الله أصلحوا ما بينكم وبين الله سبحانه يصلح الله ما بينكم وبين من حولكم، واحذروا أسباب الشحناء والبغضاء تعيشوا بإذن الله سالمين من الهم والقلق والحزن.
ربنا اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين ءامنوا