سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوؤه ما يسوؤهم؟


هل تعلم أن المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوؤه ما يسوؤهم؟
الموسم الثالث - الحلقة الثامنة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: " تَرَى المُؤمِنِينَ في تَرَاحُمِهِم وَتَوَادّهِم وَتَعَاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ إِذَا اشتَكَى عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى" هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه. وأما الإمام مسلم فقد روى في صحيحه أنه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". والمراد بالمؤمنين كاملو الإيمان الذين اكتمل إيمانهم فلا يتصرفون في أمورهم إلا على كمال الإيمان، لذا كانوا جديرين بهذه الأوصاف.
وقوله: "في تراحمهم" أي أنهم يرحم بعضهم بعضًا، الرحمة متبادلة بينهم، كل منهم يبذلها للآخر، ولا يعامله في معاملة دنيوية أو دينية إلا بمقتضى الرحمة التي جعلها الله تعالى في قلبه.
وقوله: "وتوادِّهم" الأصل أن يُقال في تواددهم، لكن أدغمت الدال في الدال فصارت دالا واحدة مشددة.
وقوله: "وتعاطفهم" أي أنهم يعطف بعضهم على بعض، ويحنو بعضهم على بعض، والمراد إعانة بعضهم بعضًا كما يُعطف الثوب على الثوب ليقويه.
وأما قوله: "كمثل الجسد" أي بالنسبة لجميع أعضائه، ووجه الشبه فيه التوافق في التعب والراحة. وقوله: "تداعى" أي دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة في الألم. وأما قوله: "بالسهر والحمى" أما السهر فلأن الألم والتعب يمنع النوم، وأما الحمى فلأن الألم وفَقْد النوم يثيرها.
وصف النبي في هذا الحديث المؤمنين بثلاث صفات؛ شبههم فيها بالجسد الواحد المترابطة أجزاؤه المتوافقة أعضاؤه، التي لا تنفك عنه بحالٍ من الأحوال؛ هذه الصفات هي التراحم والتوادُّ والتعاطف. وهذه الرحمة التي تحصل للمؤمنين المهتدين تكون بحسب هداهم.
فكلما كان نصيب الواحد من الهداية أتم كان حظه من الرحمة أعظم وأوفر، لذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم أرحم الأمة بعد نبيها، قال الله تعالى في شأنهم ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ﴾ الآية ]سورة الفتح/29[ والصّديق رضي الله عنه كان أرحم الأمة بالأمة؛ لأن الله تعالى جمع له بين سعة العلم وسعة الرحمة.
لقد كان نبينا محمد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم رحيمًا بالخلق عمومًا وبالمؤمنين على وجه الخصوص، وقد وصفه الله تعالى بذلك؛ فمدحه وبيَّن فضله صلوات الله وسلامه عليه، كما جاء أيضًا في سننه الكثير مما يبين اتصافه بالرحمة، فمن ذلك ما جاء في كتاب الله تعالى قال جلَّ ثناؤه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ الآية ]سورة ءال عمران/159[.
وروى البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد واللفظ للبخاري قالَ:" أَرسَلَت زينب ابنَةُ النَّبِيِّ إِلَيهِ أنَّ ابنًا لِي قُبِضَ فَأتِنَا، فَأَرسَلَ يُقرِىءُ السَّلامَ وَيَقُولُ: "إِنَّ لله مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعطَى، وَكُلٌّ عِندَهُ بِأَجلٍ مُسَمَّى فَلتَصبِرْ وَلتحتسِبْ"، فَأَرسَلَت إِلَيهِ تُقسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِينَّهَا، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعدُ بنُ عُبَادَةَ، ومُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بنُ كَعبٍ، وَزَيدُ بنُ ثَابِتٍ، وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إلَى رَسُولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الصَّبِيُّ، وَنَفْسُهُ تَتَقَعقَعُ (القعقعة حكاية صوت الشىء اليابس إذا حُرِّك) . قالَ حَسِبتُ أَنَّهُ قالَ: كَأَنَّهَا شَنٌّ ففي ذلك الإشارة إلى شدة الضعف) فَفَاضَت عَينَاهُ (أي النبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم) ، فَقَالَ سَعدٌ: يَا رَسُولَ الله مَا هذَا؟ قال: "هذِهِ رَحمَةٌ" (معناه الدمعة أثر رحمة أي أن الذي يفيض من الدمع من حزن القلب بغير تعمد من صاحبه ولا استدعاء لا مؤاخذة عليه، وإنما المنهي عنه الجزع وعدم الصبر) "جَعَلَهَا الله في قُلُوبِ عِبَادِهِ، فَإِنَّمَا يَرحَمُ الله من عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ".
في هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاء بركتهم ودعائهم وجواز القسم عليهم لذلك، وجواز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذن بخلاف الوليمة، وفيه استحباب إبرار القسم وأمر صاحب المصيبة بالصبر.
وفي الحديث المتفق عليه من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه في شأن دخول النبي على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان، واللفظ للبخاري فقال له عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله؟ فقال:"يا ابن عوف إنها رحمة"، ثم أتبعها بأخرى، فقال:"إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
هكذا يريد منا نبينا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أن نكون في مودتنا وألفتنا مثل الجسد الواحد الذي إذا أصيب منه شىء أصيب كله، ويشعر كل عضو فيه بما يشعر به العضو المتألم داخله، فهل نحن في التودد لبعضنا والتلاحم فيما بيننا كذلك؟!