سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أنه يجب أن نكون عونا لأخينا المذنبِ على الشيطان؟


هل تعلم أنه يجب أن نكون عونا لأخينا المذنبِ على الشيطان؟
الموسم الثالث - الحلقة السادسة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

إن كثيرا من الناس من يكون محملا بالذنوب والخطايا والأوزار السيئات، لكنه ينتظر من إخوانه هفوة فيطير بها فرحًا، أو خطيئة فيمتلئ صدره بها سرورًا، وربما لا ينتظر بل يبحث وينقب في أقواله، أو يسأل عن أحوالِه وأفعالِه، فهل هذا من أعوان الشيطان؟
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: "إِذَا رَأَيْتُمْ أَخَاكُمْ قَارَفَ ذَنْبًا فَلا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ تَقُولُوا: أَخْزَاهُ اللَّهُ قَبَّحَهُ اللَّهُ وَلَكِنْ قُولُوا: تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ غَفَر الله له" رواه الطبراني في كتاب مكارم الأخلاق.
وفي روايةٍ أخرى:" إِذَا رَأَيْتُمْ أَخَاكُمْ قَارَفَ ذَنْبًا، فَلا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ، تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اخْزِهِ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، وَلَكِنْ سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّا لا نَقُولُ فِي أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى نَعْلَمَ عَلَى مَا يَموتُ، فَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ، عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ خَيْرًا، وَإِنْ خُتِمَ لَهُ بِشَرٍّ، خِفْنَا عَلَيْهِ عَمَلَهُ ".
فما بالنا اليوم نرى كثيرا من المسلمين عندما يُذكَـرُ شخص عاصٍ أمامه يقول "الله يلعنه"؟ فبدلا من أن يدعو له بالهداية يدعو عليه باللعنة؟! وهذا مخالفٌ لهدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في التعامل مع الناس باللين والرفق.
فيجبُ أن نكون عونا لأخينا المذنبِ على الشيطان، فلا نُسْلمه له، بل نسدده ونفتح له باب التوبة، ولكن يجب علينا أن نكره فعلَه، ونبغض ذنبه. أخرج ابن عساكر عن أبي قلابة أن أبا الدرداء رضي الله عنه مرَّ على رَجُلٍ قَدْ أَصَابَ ذَنْبًا، فَكَانُوا يَسُبُّونَهُ، فَقَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي قَلِيبٍ - أي بئر- أَلَمْ تَكُونُوا مُسْتخْرِجِيهِ؟"، قَالُوا : بَلَى، قَالَ: " فَلا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ، وَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي عَافَاكُمْ "، قَالُوا : أَفَلا تَبْغَضُهُ ؟ قَالَ:" إِنَّمَا أَبْغَضُ عَمَلَهُ، فَإِذَا تَرَكَهُ فَهُوَ أَخِي" قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " ادْعُ اللَّهَ فِي يَوْمِ سَرَّائِكَ لَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ فِي يَوْمِ ضَرَّائِكَ " وأخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة مثله.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح هذا الحديث: "وَوَجْهُ عونهم الشيطانَ بذلك أن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزيَ فإذا دعوا عليه بالخزي، فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان" كما في فتح الباري.
وإياك أن تكون من الشامتين، وما عليك إذا رأيت العصاة والمخطئين إلا أن تحمد الله الذي عافاك، فقد كتب سعيد بن جبير إلى عمرٍو أبي السوار العدوي: "أما بعد؛ يا أخي! فاحذر الناس، واكفهم نفسك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك، وإذا رأيت عاثرا فاحمد الله الذي عافاك، ولا تأمن للشيطان أن يفتنك ما بقيت" كما في شعب الإيمان. أعوان الشيطان هم الذين يفرحون بإساءة المسيء، وخطأ المخطئ، وذنب المذنب. أعوان الشيطان هم الذين لا يسترون للمسلم عورة، ولا يرحمون له زلة، ولا يقيلون له عثرة. إن أعوان الشيطان لا يحبون من تائب توبة، وليس عندهم لمخطئ عفو ورحمة.
فإذا رأينا عاصيا لنسأل الله له العافية والهداية وإن كنا نبغض فعله ولنحمد الله الذى عافانا ورزقنا طاعته، كما ينبغي أن لا نتسرع فى الحكم على عاص بأن مآله إلى النار فلربما ختم الله له بخاتمة حسنة. ولنتذكر دائما أن العاصي مبتلى وهو يحتاج لمن يخرجه من هذا البلاء فلا نكون أعوانًا للشيطان ولندعوه بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.
فلو تأملتم خطاب الله جل وعلا لكليمه موسى وأخيه هارون عليهما السلام في قوله تعالى : ﴿اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ ]سورة طه/44[ أي اذهبا إلى فرعون الطاغية الذي جاوز الحد في كفره وطغيانه وظلمه وعدوانه، وخاطباه بالقول اللين وبالكلام الرقيق ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا﴾ أي سهلا لطيفا برفق ولين، فلَو خشَّنَا له القَوْل ورفَعَا أصواتَهُما عليه كان يزدَادُ عُتُوًّا وتَجَبُّرًا. ﴿لَّعَلَّهُ﴾ بسبب القول اللين ﴿يَتَذَكَّرُ﴾ ما ينفعه فيأتيه ﴿أَوْ يَخْشَى﴾ ما يضره فيتركه.
فإن القول اللَين داع لذلك والقول الغليظ منفر عن صاحبه وقد فسر القول اللين في قوله تعالى: ﴿فَقُلْ هَلْ لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ ]سورة النازعات/19[ هل لك إلى أن تكون زاكيا مؤمنًا ؟ هل لك إلى أن تتطهر من دنس الكفر وتؤمن بربك؟ أي هل لك إلى أن تقول لَا إلَه إِلَّا الله.
فكما دعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس التي أصلها التطهر عن الشرك، الذي يقبله كل عاقل سليم ثم دعاه إلى سبيل ربه فقال: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾[سورة النازعات/19] فإن كان أسلوب الخطاب هذا لذلك الطاغية فكيف بإخوانكم المؤمنين يرحمكم الله ؟!
فلنزين قلوبنا باللين والرفق وحب الخير للناس كافة وأن نحب لإخواننا ما نحبه لأنفسنا ولنحمد الله على هدايته لنا ونسأله أن يزيدنا من فضله.