سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم من هو مفتاح للخير مغلاق للشر؟


هل تعلم من هو مفتاح للخير مغلاق للشر؟
الموسم الثالث - الحلقة الخامسة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

في صحيحِ ابنِ ماجَهْ بسنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : "إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِ، وَإِنَّ مِن النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِ عَلَى يَدَيْهِ".
الخَيرُ مَرضاةُ اللهِ والشرُّ سَخَطُهُ، فإذا رَضِيَ اللهُ عَنْ عَبْدٍ فعَلامةُ رِضاهُ أنْ يجعَلَهُ مِفتاحًا للخيرِ. فإنْ رُئِي ذُكِرَ الخيرُ برُؤيتِهِ، وإنْ حَضَرَ حضَرَ الخيرُ معَهُ، وإنْ نَطَقَ نَطَقَ بخيرٍ، وعليهِ مِنَ اللهِ سِمَاتٌ ظاهرةٌ لأنَّهُ يتقلَّبُ في الخَيرِ بِعمَلِ الخيرِ، ويَنطقُ بخيرٍ ويُفكِّرُ في خَيرٍ ويُضْمِرُ خيرًا فهو مِفتاحُ الخيرِ أينما حضَر، وسببُ الخيرِ لكلِّ مَنْ صَحِبَهُ.
والآخَرُ يتقلَّبُ في شَرٍّ ويعملُ شَرًّا، ويَنطقُ بشرٍّ، ويُفكِّرُ في شَرٍّ، ويُضْمِرُ شَرًّا، فهو مِفتاحٌ للشَّرِ. وكَونُ الإنسانِ مِفتاحًا للخيرِ ومِغلاقًا للشرِ معناهُ أنْ يحفَظَ نفسَهُ ووقتَهُ وجُهدَهُ وما يَستطيعُ لمنفعةِ الآخَرينَ مِنَ المسلمينَ أيضًا، فزيادةٌ على أنْ يَستقِيمَ في ذاتِهِ ينفعُ اللهُ تعالى بِهِ المسلمينَ ومَنْ حولَهُ مِنَ الناسِ، بحيثُ يكونُ كما كانَ أنبياءُ اللهِ عزَّ وجلَّ رحمةً لأقوامِهم، كما أخبرَ اللهُ تباركَ وتعالى عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ]سورة الأنبياء/107] ألَيْسَ اهْتَدَى بِهِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ ؟! والمفاتيحُ في هذا الحديثِ جاءتْ مجموعةً، وذكرَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بصيغةِ الجمعِ لبيانِ أنَّ مفاتيحَ الخيرِ كثيرةٌ ، وكذا بالمقابلِ فإنَّ مفاتيحَ الشَّرِ كثيرةٌ متنوِّعةٌ. وقد دعا النبيُّ لمن كانَ مِفتاحًا للخيرِ مِغْلاقًا للشرِّ، وتوعَّدَ بالويلِ لمن كانَ مِغلاقًا للخيرِ مفتاحًا للشرِّ، ولذلكَ كانَ مِنَ المهمِ جدًّا أن يُمَيِّزَ المسلمُ بينَ الخيرِ والشرِّ، فيَعْرِفُ مفاتيحَ كُلٍّ منهما. ومفاتيحُ أبوابِ الخيرِ كثيرةٌ ، فمفتاحُ الجنةِ لا إلٰهَ إلَّا اللهُ، وكذا مِفتاحُ الجنةِ تَرْكُ الهوى ، ومِفتاحُ الصَّلاةِ الطَّهارَةُ .
وكما أنَّ للخيرِ مفاتيحَ، فللشرِّ مفاتيحُ كذلك ينبغي أن يَعْلَمَها المسلمُ حتى يَجْتنِبَها، كما قالَ حُذَيفَةُ بنُ اليَمانِ رَضِيَ الله عَنهُ: كَانَ النَّاسُ يَسأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَنِ الخَيرِ ، وَكُنتُ أسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِ مَخَافَةَ أَن يُدرِكَنِي.
ومنهُ قولُ القائلِ:
عرفتُ الشرَّ لا للشرِ لكنْ لتَوَقِّيه *** ومَنْ لم يَعْرِفِ الشرَ مِنَ الخيرِ يقعْ فيه
فالشركُ والكِبْرُ والإعراضُ عما بعثَ اللهُ بهِ رسولَهُ مِفتاحُ النارِ، ومفتاحُ الكفرِ المعاصي. وبما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ذكرَ بأنَّ الناسَ فريقانِ، فريقٌ مفتاحٌ للخيرِ مِغلاقٌ للشرِ، وفريقٌ على العكسِ مِنْ ذلك، مِفتاحٌ للشرِ مِغلاقٌ للخيرِ.
لِيتأمَّلْ كُلُّ واحدٍ منّا حالَهُ وأمرَهُ وشأنَهُ في هذا المقامِ هل هُوَ مِنْ مفاتيحِ الخيرِ مغاليقِ الشرِّ؟! أو أنَّهُ على العكسِ مِنْ ذلك ؟!
لا بُدَّ مِنْ وَقفةٍ صادقةٍ ومحاسبةٍ جادةٍ وتأملٍ ، كلُّ واحدٍ منّا لِيَنْظُرْ في حالِهِ ، في سلوكِهِ ، في معاملاتِهِ ، في مُخالطتِهِ ومعاشرتِهِ للناسِ. لا بُدَّ مِنْ محاسبةٍ للنفسِ في هذه الحياةِ قبلَ أنْ نُحاسَبَ، فما ثَمَّ إلا مسلكانِ إما إلى الهناء وإما إلى الويلِ. وكلُّ ذلكَ لا يَظْهَرُ إلا بالتأملِ الدقيقِ والنظرِ والتفحصِ في أحوالِنا وأقوالِنا وأفعالِنا ومعاملاتِنا مع غيرِنا ومعَ أنفسِنا، عندها يتبينُ للبعضِ مدى توجهِهِ إن كانا سائرًا على الدربِ الصحيحِ فليُواصِلْ، وإنْ كانَ على غيرِ ذلكَ فَلْيُصَحِّحْ مسارَهُ، وَلْيَعُدْ إلى الجادةِ ولْيَكن عونًا للحقِ لا عونًا للباطلِ.
فينبغِي على العبدِ أنْ يعتنيَ أشَدَّ الاعتناءِ بمعرفةِ مفاتيحِ الخيرِ وما جُعِلَتِ المفاتيحُ لهُ، ويَدعُوَ إليها، ويُرشِدَ النَّاسَ ويَفْتَحَ عليهم وجوهَ الخيرِ وأعمالَ البِرِّ، ويَجتهدَ في أن يكونَ مِغلاقًا للشُّرورِ والآفاتِ. ويَعلمَ ما كانَ منها مِفتاحًا للشَّرِ مِغلاقًا للخيرِ ويَحْذَرَ كلَّ الحذرِ ويُحَذِّرَ غيرَهُ مِنْ تلكَ المفاتيحِ حتَّى ينالَ رضا اللهِ فطُوبى لمن كانَ كذلكَ.
فكونوا عبادَ اللهِ مفاتيحَ للخيرِ مغاليقَ للشَّرِ تُفْلِحُوا وتَسْعَدُوا في الدُّنيا والآخِرةِ، وتُسْعِدُوا غيرَكم وتَنَالُوا رضا ربِّكم.