سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم بأيِّ حسنةٍ مضمونٌ لكَ النجاةٌ والسَّترُ في الدنيا والآخرةِ؟


هل تعلم بأيِّ حسنةٍ مضمونٌ لكَ النجاةٌ والسَّترُ في الدنيا والآخرةِ؟
الموسم الثالث - الحلقة الثلاثون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا فِي جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ دَعَا بِقَمِيصٍ لَهُ جَدِيدٍ فَلَبِسَهُ، فَمَا أَحْسَبُهُ بَلَغَ تَرَاقِيَهُ حَتَّى قَالَ: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي"، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا، فَقَالَ مِثْلَ مَا قُلْتُ"، ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَلْبَسُ ثَوْبًا جَدِيدًا، ثُمَّ يَقُولُ مَا قُلْتُ ثُمَّ تَعَمَّدَ إِلَى سَمَلٍ مِنْ أَخْلاقِهِ الَّتِي وَضَعَ فَيَكْسُوهُ إِنْسَانًا مُسْلِمًا مِسْكِينًا فَقِيرًا، لا يَكْسُوهُ إِلا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلا لَمْ يَزَلْ فِي حِرْزِ اللهِ، وَفِي ضَمَانِ اللهِ، وَفِي جِوَارِ اللهِ -أيْ فِي حِفْظِ اللهِ - مَا دَامَ عَلَيْهِ سِلْكٌ وَاحِدٌ، حَيًّا وَمَيِّتًا"رواهُ الطبرانيُّ في مكارمِ الأخلاقِ.
المفهومُ مِنْ هذا الحديثِ كما أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يُعْتِقُ الإنسانَ مِنَ النارِ بتوبتِهِ مِنْ كبائرِ الذنوبِ كلِّها قبلَ موتِهِ، فقد يُعْتِقُ اللهُ أيضًا المسلمَ مِنَ النارِ مِنْ غَيرِ أنْ يكونَ قد تابَ قبلَ مَوْتِهِ بحسنةٍ واحدةٍ مِنَ الحسناتِ التي عَمِلَها لوجهِ اللهِ تعالى.
كمَنْ كانَ مِنْ عادتِهِ أنه كلما لَبِسَ ثوبًا جديدًا يتصدقُ بالبالِي أي القديمِ لوجهِ اللهِ تعالى على أهلِ الحاجاتِ كانَ لهُ هذا الفضلُ العظيمُ وذلكَ بعدَ أن يقولَ: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي" عندَ لُبْسِهِ الثوبَ الجديدَ.
ما هو هذا الفضلُ؟ أنَّهُ كانَ في حِفظِ اللهِ في الدنيا والآخرةِ وكانَ في كَنَفِ اللهِ في سَتْرِهِ حَيًّا ومَيّتًا أي أنَّ اللهَ يسترُهُ في الدنيا والآخرةِ، معنى ذلكَ أنَّ له بشرى بالموتِ على الإيمانِ؛ لأنَّ الإنسانَ الذي عَمِلَ هذه الحسنةَ مضمونٌ لهُ النجاةُ والسَّترُ في الدنيا والآخرةِ.
هذه الحسنةُ قد تكونُ في عينِ الذي فَعَلَها ليسَ لها موضعٌ كبيرٌ، ويكونُ لها عندَ اللهِ تباركَ وتعالى موضعٌ كبيرٌ فتكونُ سببَ عِتْقِهِ مِنَ النارِ أي أنَّهُ لا يُعَذَّبُ في الآخرةِ لأجلِ هذه الحسنةِ بفضلِ اللهِ تباركَ وتعالى. وهذا يدلُّنا على أنَّ الذي يتركُ لنفسِهِ الشىءَ الجديدَ ويتصدقُ بما أَبلاهُ بالبالي أنَّ عملَهُ لا يخلو مِنْ ثوابٍ. ورَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ - الْخَمِيصَةُ كِسَاءٌ أَسْوَدُ مُعَلَّمُ الطَّرَفَيْنِ وَيَكُونُ مِنْ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ - فَقَالَ: "مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوها هَذِهِ الخَمِيصَةَ؟" فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: "ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ". فَأُتِيَ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي" مَرَّتَيْنِ.
وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: " أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ " رواهُ أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ، وحَسّنَهُ المنذريُّ. فهذا الحديثُ يدلُّ على فضلِ إطعامِ الجائعِ وسَقْيِ الظمآنِ وكِسوةِ العارِي وأنَّ هذا هو جزاؤُهُ يومَ القيامةِ.
وهذا واضحٌ؛ لأنَّ الجزاءَ مِنْ جِنْسِ العملِ، وأنَّهُ يُكْسى يومَ القيامةِ مِنْ ثيابِ الجنةِ الخُضْرِ وأنَّهُ يُسْقَى مِنَ الرحيقِ المختومِ وهو شرابُ مَنْ هُمْ في أعلى طبقةٍ في الجنةِ بعدَ النبيينَ، يَشْرَبُ منهُ أفضلُ الناسِ بعدَ النبيينَ.
الحاصلُ أنَّهُ لا بُدَّ في هذه الحياةِ مِنَ المواساةِ الطيبةِ وبذلِ الكلامِ الطَّيِّبِ، وهذا مِنَ الرحمةِ التي جعلَها اللهُ تعالى بينَ المؤمنينَ. فقد روى أبو داودَ واللفظُ لَهُ والترمذيُّ وابنُ حبانَ في صَحِيحِهِ وقالَ الترمذيُّ حديثٌ حسنٌ: "لا تُنْـزَعُ الرحمةُ إلا مِنْ شَقِيٍّ" كما قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. إنَّ كثيرًا مِنَ الآلامِ يُمْكِنُ أنْ تُخَفَّفَ على الأقلِّ بكلامٍ طيبٍ، والكلمةُ الطيبةُ صدقةٌ، فإذا رافقَها أيضًا مواساةٌ ببذلِ المالِ والإهداءِ كانَ في ذلكَ تخفيفٌ وأيَّما تخفيفٍ.
قالَ اللهُ عَزَّ مِنْ قائلٍ في القرءانِ الكريمِ: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [سورة البلد/17]. وهذه المرحمةُ هي الرحمةُ على العبادِ وبِمُوجِبِها يَرْحَمُ اللهُ أهلَها ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ يعني مرحمةَ الناسِ، فكيفَ إذا كان قريبًا لك؟!
لا تُقصِّروا في هذه الطاعةِ العظيمةِ، أَقْبِلُوا إلى الخيراتِ وإيّاكم والوقوعَ في المعاصِي والآثامِ، فإنَّ الكتبَ يومَ القيامةِ تحوي حتى النظراتِ.
اللّهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ اللّهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنَا شَرَّ ما نتخوَّفُ والحمد لِلّهِ ربّ العالمين