سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن النصيحةَ والتواصيَ بالحقِّ مِنْ أهمِّ الأخلاقِ التي غابَتْ بينَ النَّاسِ؟


هل تعلم أن النصيحةَ والتواصيَ بالحقِّ مِنْ أهمِّ الأخلاقِ التي غابَتْ بينَ النَّاسِ؟
الموسم الثالث - الحلقة التاسعة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

إنَّ النصيحةَ والتواصيَ بالحقِّ مِنْ أهمّ الأخلاقِ التي غابَتْ بينَ النَّاسِ رغمَ أنَّها ركيزةٌ مِنْ ركائزِ الفوزِ في الدنيا والآخرةِ، قَالَ اللهُ تباركَ وتعالى ﴿وَالْعَصْرِ (۱) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (۲) إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (۳)﴾ سورة العصر. كانَ الرجلانِ مِنْ أصحابِ النبيّ صلى اللهُ عليه وسلمَ إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأَ أحدُهما على الآخرِ هذه السورةَ كما روى الطبرانيُّ في الأوسطِ وهذا مِن أجلِ أن يُذَكِّروا بعضَهم بهذه السورةِ العظيمةِ، فَيَعْمَلوا بها ويَلتَزِموها ظاهرًا وباطنًا؛ وذلك لأنَّ سورةَ العصرِ جامعةٌ لِما يكونُ بِهِ العبدُ مفلحًا في الآخرةِ؛ لأنَّها جمعَتْ مُجملِ مسائلِ الدينِ. أقسمَ اللهُ سُبْحَانهُ وتَعَالى بالعصرِ أي الدهرِ وقيلَ هو قسمٌ بصلاةِ العصرِ وهي الصلاةُ الوسطى في قولِ الجمهورِ لحديثِ مسلمٍ وابنِ ماجَهْ: "شَغَلونا عَنِ الصلاةِ الوسطى صلاةِ العصرِ".
﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ‌إِلا﴾ استثنى اللهُ سُبْحَانهُ وتَعَالى مِنَ الخُسرانِ أربعةَ أصنافٍ ﴿الَّذِينَ ءامَنُوا﴾ ءامنوا باللهِ ورسولِه ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ معناهُ أدَّوا الفرائضَ واجتنبوا المحرماتِ ﴿وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ﴾ أمروا بالمعروفِ أي بما فرضَ اللهُ تعالى أمرَ بعضُهم بعضًا ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾أي نهى بعضُهم بعضًا عن المنكرِ.
أربعةُ أصنافٍ يَنْجُونَ مِنَ الخُسرانِ المبينِ الذي أقسمَ ربنُّا سُبْحَانهُ وتَعَالى بأنَّهُ واقعٌ، مَنْ جَمَعَ هذه الصفاتِ مِنَ البشرِ فهم ناجُونَ وَمَنْ لم يَجمعْ هذه الأمورَ فهم هالكونَ خاسِرُونَ. ولا شكَّ أنَّ كلَّ عاقلٍ يُريدُ النجاةَ ولا يُريدُ الهلاكَ.
الأوّلُ: مِنْ هذه الأمورِ الأربعةِ: الإيمانُ، الإيمانُ إذا أُطلقَ يكونُ شاملا للإيمانِ باللهِ ورسولِهِ كما في هذه الآيةِ ومعناهُ معرفةُ اللهِ كما يليقُ باللِه ومعرفةِ رسولِهِ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ كما يليقُ بهِ وتنـزيهُ اللهِ عما لا يجوزُ عَلَيْهِ وتبرئةُ الأنبياءِ عما لا يليقُ بهم.
هذا أصلُ الإيمانِ، فلا يكونُ المرءُ مسلمًا ومؤمنًا إلا بهذينِ الأمرينِ: معرفةِ اللهِ ومعرفةِ رسولهِ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم. مَنْ جمعَ بينَ الإيمانِ باللهِ عزَّ وجلَّ وبينَ الإيمانِ برسولهِ محمدٍ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلمَ فهو مسلمٌ. هذا يكفي للنجاةِ مِنَ الخلودِ في نارِ جهنّمَ، يكفي للأمانِ مِنَ الخلودِ في جهنمَ لكن لا يكفي للسلامةِ مِنَ العذابِ. أما مَنْ لَم يجمَعْ بينَهما فليسَ بمؤمنٍ.
الأمرُ الثاني: العملُ بالصالحاتِ أي أداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرماتِ.
والأمرُ الثالثُ: التواصي بالحقِّ وهو الأمرُ بالمعروفِ أي بالواجباتِ في الشرعِ، أي فرضٌ عَلَيْهِ أن يأمرَ غيرَهُ إِنْ كان يَقبلُ. فلا يكفي أنْ يعملَ الإنسانُ العملَ الصالِحَ ويقتصرَ على إصلاحِ نفسِه، بل لا بُدَّ أن يعملَ على إصلاحِ غيرِه؛ لأنَّهُ لا يكونُ مؤمنًا كاملا حتى يُحبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسِه.
أما الأمرُ الرابعُ: فهو التواصي بالصبرِ أي التناهي عَنِ المحرماتِ أي أن ينهى بعضُهم بعضًا.فمن جمعَ هذه الأمورَ الأربعةَ فهو ناجٍ فائزٌ.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ أي أن يوُصيَ المؤمنُ أخاهُ بتقوى الله،ِ فقد كانَ السلفُ الصالحُ رضيَ اللهُ عنهم إذا كتبَ أحدُهم كتابًا أو أرسلَ لَهُ يقولُ أُوصِيكَ بتقوى اللهِ تعالى في السرِّ والعلنِ، وفي السفرِ والحضرِ. فأن يُوصِيَ الإنسانُ المؤمنُ أخاهُ وجارَهُ وشريكَهُ وزوجَهُ وولدَهُ بتقوى اللهِ تعالى فهذا مِنْ علاماتِ النجاحِ.
وحينَ تَغِيبُ النصحيةُ والتواصِي بالحقِّ يحُلُّ محلَّها الغيبةُ والنميمةُ وتُتَّبَعُ العوراتُ وتُلقَّفُ الزلاتُ والهمزُ واللمْزُ والطَّعْنُ في الأَعراضِ. ولو صدقَ المغتابُ في قولِهِ لنصحَ وما فضَحَ عملاً بقولِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ الذي رواهُ مسلمٌ عن أبي رُقيّةَ تميمِ بنِ أَوْسٍ الدّاريِّ رَضِيَ اللُه عنهُ أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قَالَ: "الدينُ النصيحةُ" وفي ذلكَ مِنْ بيانِ مكانةِ النصيحةِ ما لا يَخفَى على مسلمٍ عاقلٍ.
فإذا تنافسَ المتنافسونَ في الدنيا فلنتَنافَسْ في الآخرةِ، كما كانَ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ: إذا تنافَسَ الناسُ في الدنيا، فنافِسهم في الآخرةِ ﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (۲٦)﴾ الآية سورة المطففين
المنافسةُ لا تكونُ على حُطامٍ زائلٍ، ولا على دنيا فانيةٍ، إنما المنافسةُ تكونُ بالعملِ الصالحِ، في عملِ البِرِّ والخيرِ والفضيلةِ والإحسانِ وما ينفعُ الناسَ. فقد جاءَ في الصحيحينِ أنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلمَ قالَ: "مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ-أي من كان في حاجة أخيه الله يعطيه أجرا كبيراً- وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". فاتَّقوا اللهَ واجعلوا سورةَ العصرِ مِنهاجًا تَسيرونَ عليه ولا تُضيِّعوا العمَلَ بها فتكونُوا مِنَ الخاسِرينَ.
اللهم اجعلنا هداة مهديين وثبتنا على الحق يارب العالمين