سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلمُ أنَّ الأنبياءَ كانوا يسارعونَ إلى الخيراتِ؟


هل تعلمُ أنَّ الأنبياءَ كانوا يسارعونَ إلى الخيراتِ؟
الموسم الثالث - الحلقة الثامنة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى ﴿وَسَارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [سورة ءال عمران/133]، ويقولُ جلَّ وعلا: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [سورة الحديد/21].
هذه الدارُ يَدْعُونا ربُّنا جلَّ وعلا أنْ نُسارعَ إليها، والطريقُ إليها سهلٌ، والسبيلُ والأسبابُ إليها مُيَسرةٌ بمَنٍّ مِنَ اللهِ جلَّ وعلا، فلا تَظُنُّوا أن هذه الجنةَ بعيدةُ المنالِ وأن طلبَها ضَرّبٌ مِنَ المحالِ.
بلِ الأمرُ كما في الحديثِ الصحيحِ الذي يرويهِ الإمامُ البخاريُّ مِنْ حديثِ أبي موسى الأشعريِّ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: "الجنةُ أقربُ إلى أحدِكم مِنْ شِراكِ نعلِهِ والنارُ مثلُ ذلك" والمعنى أنَّ الإنسانَ يكسِبُ الجنةَ بعملٍ خفيفٍ يسيرٍ مِنَ الحسناتِ لا يكلفُهُ مشقةً، وكذلكَ يكسِبُ دخولَ النارِ بعملٍ خفيفٍ مِنَ السيئاتِ.
فلو عاشَ العبدُ على الشركِ سنينَ طويلةً ثم قبلَ موتِه أسلمَ واعتقدَ بقلبِه أنَّهُ لا إلهَ إلا اللهُ وأن محمَّدًا رسولُ اللهِ كانَ مِنْ أهلِ الجنةِ ولو لم يُدرِكْ صلاةً، ولا يُؤاخَذُ بشىءٍ ممّا عملَهُ مِنَ الذنوبِ؛ لأنَّ الإسلامَ هدمَها وذلكَ لأنَّ العبرةَ بآخرِ حالِ الإنسانِ الذي يُختمُ لَهُ بِهِ.
ومقابلُ هذا رجلٌ عاشَ على الإسلامِ ثم مرضَ فاشتدَّ عليهِ الألمُ فلم يتحمَّلْ فاعترضَ على ربِّهِ فقالَ: "يا ربِّ لِـمَ ظلمتني بتسليطِ هذا الألمِ الذي لا أُطيقُهُ" فماتَ حَرُمَتْ عليهِ الجنةُ؛ لأنَّهُ كفرَ باعتراضِهِ على ربِّه. قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: "إنّما الأعمالُ بخواتِيمِها".
وصفَ ربُّنا تباركَ وتعالى حالَ أنبيائِهِ ورسلِه فقالَ عنهم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ الآية [سورة الأنبياء/90]. ما قالوا: نحنُ مِنْ أهلِ الجنةِ، وما قالوا: لن نكونَ مِنْ أهلِ النارِ، وما قالوا: قد ضَمِنا الأمانَ مِنْ زللٍ على الصراطِ وقد ضمنا السلامةَ مِنْ كلاليبِ جهنمَ، وما قالوا: ضَمِنا فِتَن َالقبرِ أو فِتَنَ الموتِ، بل سارعوا وبادروا وخافوا وخشعوا. هؤلاءِ أنبياءُ اللهِ ورسلُهُ مع أنَّهُم في أعلى درجاتِ الجنِة ومع هذا سارعوا إلى الخيراتِ، واجتهدوا ورغبوا في الجنةِ.
وعلى هذا المنهجِ درجَ الصحابةُ وسابَقُوا في الخيرِ فلما دعا النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى البذلِ في سبيلِ اللهِ سابقَ أبو بكرٍ فجاءَ بالمالِ كلِّه، روى أبو داودَ والترمذيُّ وقالَ حسنٌ صحيحٌ، والحاكمُ، وغيرُهم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:" أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ وَوَافَقَ ذَلِكَ مَالا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ؟" قُلْتُ مِثْلَهُ ، قَالَ : وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَالٍ عِنْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ " قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ : "لا أُسَابِقُكَ إِلَى شَىءٍ أَبَدًا".
هكذا كانَ شأنُهم وهكذا كانَ طريقُهم، مسارعةً في الخيراتِ مَعَ أنَّ أبا بكرٍ ذكرَهُ اللهُ في القرءانِ وأثنى عليهِ وشَهِدَ لهُ النبيُّ بالجنةِ، وعمرُ شَهِدِ لهَ النبيُّ أيضًا بالجنةِ.
استَبِقُوا إليها، سارِعوا، بادِروا، اطلُبوا وهَلُمُّوا، قالَ ربُّنا عزَّ مِنْ قائلٍ: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ الآية [سورة البقرة/148] أي سارعوا إليها. وروى مسلمٌ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: "بادِرُوا بالأعمالِ فتنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ؛ يُصْبِحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسي كافرًا، أو يُمسي مؤمنًا ويُصْبِحُ كافرًا، يبيعُ دينَهُ بعرضٍ مِنَ الدنيا".
" بادِرُوا بالأعمالِ" يعني أسرعوا إليها والمرادُ الأعمالُ الصالحةُ. فالنبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يدعونا أنْ نُبادِرَ أوقاتِنا وأنفاسِنا وأعمالِنا وحياتِنا قبلَ أنْ نقعَ في هذه الفتنِ، أو تقعَ بنا، قبلَ أن نَرِدَ عليها أو تَرِدَ علينا، والعاقلُ مَنِ اجتهدَ، والكيّسُ مَنْ دانَ نفسَهُ وعَمِلَ لِما بعدَ الموتِ.
فبادِرْ بأعمالِكَ الصالحةِ قبلَ أن يفوتَكَ الأوانُ، فأنتَ الآن في نشاطٍ، وفي قوةٍ وفي قدرةٍ، لكن قد يأتي عليكَ زمانٌ لا تستطيعُ ولا تقدرُ على العملِ الصالحِ، فبادِرْ وعوِّدْ نفسَكَ، وأنتَ إذا عودتَ نفسَكَ العملَ الصالحَ اعتادَتْهُ، وسَهُلَ عليها وانقادَتْ لَهُ، وإذا عودْتَ نفسَكَ الكسلَ والإهمالَ عَجَزَتْ عَنِ القيامِ بالعملِ الصالحِ.
اللهُمَّ أعنّا على ذكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادتِكَ، اللهم ارزقنا علما نافعا وقلبا خاشعا ولسانا ذاكرا.