سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلمُ أنَّ ذكرَ اللهِ مِنْ أَجَلِّ العباداتِ؟


هل تعلمُ أنَّ ذكرَ اللهِ مِنْ أَجَلِّ العباداتِ؟
الموسم الثالث - الحلقة السابعة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

إنَّ ذِكرَ اللهِ عزَّ وجلَّ مِنْ أجلِّ العباداتِ وأيسرِها عملًا وأكثرِها أجرًا فكونوا مِنَ الذاكرينَ اللهَ كثيرًا فقد أمرَكم بذلكَ فقالَ سبحانَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ [سورة الأحزاب/42]. وقالَ عزَّ وجلَّ ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ الآية [سورة الأنفال/45]. وجاءَ رجلٌ يشكُو إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ويَطلبُ منهُ إرشادَهُ إلى ما يَتمسَّكُ بِهِ ليصلَ بهِ إلى الجنَّةِ، فبماذا أجابَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ؟
فعن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رضيَ اللهُ تعالى عنهما أنَّ رجلا قالَ: يا رسولَ اللهِ إنَّ أبوابَ الخيرِ كثيرةٌ، ولا أستطيعُ القيامَ بكلِّها؛ فأخبرني بما شِئتَ أتشبَّثُ بِه ولا تُكثرْ عليَّ فأنسى، قالَ: "لا يزالُ لسانُك رطبًا بذِكرِ اللهِ تعالى" أخرَجَهُ الترمذيُّ.فعليكُم بإعدادِ الزادِ للآخرةِ وذلكَ بإلاكثارِ من ذِكرِ اللهِ، سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ واللهُ أكبَرُ ولا إلهَ إلا اللهُ ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ كُلُّ هذا ذِكرٌ.
وروى مسلمٌ عن ابنِ عُمرَ رضيَ اللهُ عنهما قالَ: بينما نحنُ نُصلي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ إذ قالَ رجلٌ مِنَ القومِ:" اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ للهِ كثيرًا وسبحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلا" فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: مَنِ القائلُ كلمةَ كذا وكذا؟ فقالَ رجلٌ مِنَ القومِ: أنا يا رسولَ اللهِ فقال: " عَجِبْتُ لها، فُتِحَتْ لها أبوابُ السماءِ" قالَ ابنُ عمرَ: فما تركتُهُنَّ منذُ سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ ذلكَ.
ذِكْرُ اللهِ يَجْلِبُ لقلبِ الذاكرِ الفرحَ والسرورَ والراحةَ والطمأنينةَ والأُنسَ، فقد قالَ عزَّ وجلَّ في القرءانِ الكريمِ : ﴿الَّذِينَ ءامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [سورة الرعد/28]. فاللهُ تباركَ وتعالى حَضَّنا على الذكرِ اللسانيِّ مع حضورِ القلبِ، ورغَّبَنا بِهِ؛ لأنَّ الذكرَ إذا كانَ باللسانِ واقترنَ بِه الذكرُ القلبيُّ فهذا يُنَوِّرُ القلبَ.
ومِنْ فضائلِهِ أَنَّهُ يَخْنَسُ بِهِ الشيطانُ – أي ينقبض إذا ذكر الله-، وتَنْحَلُّ بسببِهِ عُقَدُهُ، فقد صحَّ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ عندَ قولِ اللهِ تعالى: ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ﴾ ]سورة الناس/4[ الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ ءادَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ ]سورة الناس/6 [ أعوذُ باللِه مِنْ شرِّ الجنِّ ومِنْ شرِّ النّاسِ.
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ الله عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ:" يَعقِدُ الشَّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أَحَدِكُم إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ يَضرِبُ كُلَّ عُقدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيكَ لَيلٌ طَوِيلٌ فَارقُدْ، فَإِنِ استيقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انحَلَّت عُقْدَةٌ، فَإِن تَوَضَّأَ انحلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِن صَلَّى انحَلتْ عُقَدُهُ كُلُّها، فَأَصبَحَ نَشِيطًا طَيّبَ النَّفسِ، وَإلا أَصبحَ خَبِيثَ النَّفسِ كَسلانَ"."طَيّبَ النَّفْسِ" ‏أي لسرورِه بما وفقَّهُ اللهُ لهُ مِنَ الطاعةِ وبما وعدَهُ مِنَ الثوابِ وبما زالَ عنهُ مِنْ عُقَدِ الشيطانِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ - يعني إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ - بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلا بِاللهِ، يُقَالُ لَهُ: كُفِيتَ وَوُقِيتَ وهُدِيتَ وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ.
ومِنْ فضائلِ الذكرِ أنَّهُ يَحفَظُ العبدَ مِنَ الشرورِ ويدفعُها عنه، فقد ثبتَ عن النبيِّ صلى اللهُ عليِه وسلَّمَ أنَّهُ قالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَىءٌ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فإذا واظبَ المسلمُ على أذكارِ الصباحِ والمساءِ، وأدبارِ الصلواتِ، وأذكارِ النومِ، والأذكارِ التي تُقالُ في الدخولِ والخروجِ، وعندَ الركوبِ، وعندَ الطعامِ وعندَ الشرابِ، وبعدَ الفراغِ منهُ إلى غيرِها مِنَ الأذكارِ الموظّفةِ للمسلمِ في أيامِهِ ولياليهِ، مع عنايةٍ منهُ بالذكرِ المُطْلَقِ كُتِبَ بذلكَ مِنَ الذاكرينَ اللهَ كثيرًا والذاكراتِ، الذينَ أعدَّ اللهُ لهُمْ مَغفِرةً وأجرًا عظيمًا.
يقولُ اللهُ تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ الآيةَ [سورة الأحزاب/35]...
فالعاقل الفطن الذكي هو الذي ينظر إلى الدنيا بعين الفكر والاعتبار فيتزوّد من دنياه لآخرته ومن حياته لمعاده. فاتقوا اللهَ واذكروا اللهَ كثيرًا لعلَّكُم تُفلحونَ.
أعانني اللهُ وإياكُم على ذكرِهِ وشُكرِهِ وحُسْنِ عبادتِهِ، وجعلَنا مِنَ الذاكرينَ لهُ كثيرًا.