سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها؟


هل تعلم أن الله يحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها؟
الموسم الثالث - الحلقة الخامسة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

إن الدين الإسلامي يريد لنا أن نشتغل بمعالي الأمور، ويشحذ هممنا نحو السمو والرفعة، ويحذرنا من الاشتغال بالتوافه والسفاسف، وفي ذلك يقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه كما روى الطبراني في الكبير من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وأَشْرَافَهَا وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا". السفاسف واحدها السَّفسَاف، والسفساف هو الأمر الحقير والرديء وهو ضد المعالي والمكارم. فهذا الحديث فيه إعلاء لهمم المسلمين لكي يتّصفوا بما يحبّه ربُنا عزَّ وجلَّ من معالي الأمور حتى تزكو النفوس وترتقي إلى الدرجات العلى وتبتعد عن سفاسف الأمور وسيء الأخلاق.
وروى الطبراني أيضًا عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأخْلاقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا" فمعالي الأمور هي الأخلاق الشرعية والخصال الدينية لا الأمور الدَّنيئة فإن العلو فيها مذموم في شرع الله سبحانه وتعالى، وشرف النفس صونها عن الرذائل والخبائث والدَّنايا.
وما أكثر من يتصف اليوم بسَفسَاف الأخلاق أي الأخلاق الوضيعة التي ليست من معالي الأخلاق أبدًا.
فيُعلم من هذا أن كل ما نطق به رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في الدِّين ليس من السفاسف مطلقًا قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى (3) إنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [سورة النجم/4] وأن كل ما فَعَله النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أو أمر به أمر إيجاب أو استحباب فهو من معالي الأمور، وكل ما نهى عنه النبي عليه الصَّلاة والسَّلام فهو من السفاسف، وتركه يعتبر من أمور الدِّين ومن معالي الأمور.
وكما أمَرَ الله تعالى في كتابه العظيم بكل خُلُقٍ كريم ونَهَى عن كل خُلُق ذمِيم، كذلك جاءَت السنة النبوية ءامِرَةً بكل خَصلةٍ حميدةٍ ناهيةً عن كل خصلةٍ خبيثةٍ، وحسبُنا في ذلك مِثل قول الله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ الآية [سورة الأنعام/151]، الفحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال. وقال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [سورة الأعراف/199]. والعرف هو المعروف وهو كل ما فرض الله تعالى فعله أي كل الواجبات الدينية، وأما قوله ﴿وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ﴾ فمعناه أمر تبارك وتعالى بالإعراض عن الجاهلين المشركين الذين كانوا يؤذونه يضربونه ويسبونه، ما نفّرهم عن الإسلام.
من منا لم ينقل على لسانه كلام لم يتقول به؟ من منا لم يناله الأذى ممن حوله ؟! وهل نرد الإساءة بالإساءة ؟ وهل نعامل الناس كما يعاملوننا؟ فعلى كل امرئٍ منا أن يوطن نفسه على أن يعامل الآخرين بأخلاقه وليس بأخلاقهم فإن أساؤوا لك فأحسن، وإن أحسنوا فزد بالإحسان. ولا ترد الإساءة بالإساءة لأنك بذلك تتخلق بأخلاقهم وتصبح واحدًا منهم. واعلم أنه بمعاملتك لهم بأخلاقك لا بأخلاقهم سوف تصفي نفوسهم وترجع لهم صوابهم وتعيد لهم فرصة التفكير بأخلاقهم.
وإن أحسنت وبذلت المعروف فلا تنتظر الثناء والشكر من أحد، وقد سئل رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: أي الأعمال أفضل؟ قال"خُلق حسن". تمسّك دائمًا بمبادئك الراقية وأخلاقك العالية عند تحاورك مع الآخرين وترفع عن سفاسف الأمور وتخلق بأخلاق الإسلام ولا يهمك أن هناك من لا يتخلق بها، واترك أمرهم لله تعالى.
وتمثل قول القائل كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعًا *** بالطوبِ يُرمى فيرمي أطيب الثمر
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَال "لَـمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا ، وَكَانَ يَقُولُ إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاقًا ".
من هنا تظهر أهمية ما ورد أن الرسول رغّب أمته إذا جاءهم إنسان دَيّن أي متمسك بدين الله وصاحب خلق حسن أن لا يتقاعسوا عن تزويجه أي لا ينظروا إلى فقره أو قلة المهر الذي هو يستطيع أن يدفعه بل لينظروا إلى ديانته أي إلى تمسكه بدين الله وحسن خلقه، هذا الأمر الذي ينبغي أن ينظر إليه المسلم في تزويج بناته. قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه البيهقي.
فتمسَّكوا بأخلاق دينكم، وحافِظوا على هدي نبيِّكم محمَّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تفوزوا بخيرَي الدنيا والآخرة.
اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ عِلمًا نافعًا، وقلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا ورِزقًا طيبًا واسعًا، وعملًا صالحًا مُتَقَبَّلًا