سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن المؤمن يتقلّب بين مقام الشكر على النعماء وبين مقام الصبر على البلاء؟


هل تعلم أن المؤمن يتقلّب بين مقام الشكر على النعماء وبين مقام الصبر على البلاء؟
الموسم الثالث - الحلقة الثالثة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قَالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلَّا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبـرَ فكانتْ خَيرًا لهُ " رواهُ مُسْلِمٌ. المعنى أنَّ المؤمنَ الكاملَ في الحالَينِ عَلَى خَيرٍ هُوَ عِنْدَ اللهِ إِنْ أصَابتهُ نِعْمَةٌ بَسْطٌ وَرَخَاءٌ في الرِّزْقِ وغيرِ ذلكَ يَشْكُرُ اللهَ وإنْ أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ أيْ بليةٌ ومُصِيبةٌ يصْبِرُ ولا يَتسَخّطُ عَلى ربِّه بلْ يَرْضَى بقَضَاءِ ربِّه فيكونُ لهُ أجْرٌ بهذِهِ المصيبةِ.
فَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الإِصَابَةِ "السَّرَّاءِ أَوْ الضَّرَّاءِ" يَنْقَسِمُونَ إِلَى قِسْمَيْنِ: مُؤْمِنٍ وَغَيْرِ مُؤْمِنٍ، فَالمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا قَدَّرَ اللهُ لَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ الضَّرَّاءُ صَبَرَ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ، وَانْتَظَرَ الفَرَجَ مِنَ اللهِ، وَاحْتَسَبَ الأَجْرَ عَلَى اللهِ فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ. وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ مِنْ نِعْمَةٍ دِينِيَّةٍ كَالعِلْمِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ أَوْ نِعْمَةٍ دُنيويةٍ كَالمَالِ وَالبَنِينَ شَكَرَ اللهَ وَذَلِكَ بِالقِيَامِ بِطَاعَةِ اللهِ؛ لِأَنَّ الشُّكْرَ لَيْسَ مُجَرَّدَ قَوْلِ الإِنْسَانِ: "أَشْكُرُ اللهَ" بَلْ هُوَ قِيَامٌ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَكُونُ خَيْرًا لَهُ. هَذَا حَالُ المُؤْمِنِ فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ، سَوَاءٌ أُصِيبَ بِسَرَّاءَ، أَو أُصِيبَ بِضَرَّاءَ.
وَأمَّا غَيْرُ المُؤْمِنِ فَهُوَ عَلَى شَرٍّ إِنْ أَصَابَتْهُ الضَّرَّاءُ لَمْ يَصْبِرْ، بَلْ تَضَجَّرَ وَاعْتَرَضَ والعياذُ بِاللهِ، وَلا شَكَّ أَنَّ المُعْتَرِضَ عَلَى حُكْمِ اللهِ تَعَالَى خَارِجٌ مِنَ الإِسْلامِ وَهُوَ خَاسِرٌ خَاسِرٌ خَاسِرٌ.
وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ، بَلْ تَنْقَلِبُ هَذِهِ النِّعَمُ عَلَيْهِ نِقْمَةً فِي الآخِرَةِ بِحَيْثُ يُحَاسَبُ عَلَيْهَا، لِمَ؟ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا فِي طَاعَةِ اللهِ فَكَانَتْ هَذِهِ السَّرَّاءُ عِقَابًا عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ، فَغير المسلم على شَرٍّ، سَوَاءٌ أَصَابَتْهُ الضَّرَّاءُ أَم السَّرَّاءُ، بِخِلافِ المؤمنِ فَإِنَّهُ عَلَى خَيْرٍ.
المُؤمِنُ دائمًا يَضَعُ نُصْبَ عَينَيْهِ قَولَ اللهِ تَعالَى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ الآية ]سورة البقرة/216[، وهُوَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيْبَهُ كَما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ أَرْضِهِ وَسَمَاوَاتِه لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُم، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُم مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا قَبِلَهُ اللهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالقَدَرِ وتعلمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لَيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لَيُصِيبَكَ، وَلَوْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ" رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ابتَلاَهُ رَبُّهُ بِذَهَابِ المَالِ، وَفَقْدِ العَافِيَةِ والأولاد، ثُمَّ مَاذَا؟! قَالَ تَعالَى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً ّمِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ ]سورة الأنبياء/84[، إِنَّ المُؤمِنَ بِقَضاءِ اللهِ وقَدَرَهِ، وخَيْرِهِ وَشَرِّهِ، يَعلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا أَلمَّ بِهِ وأَصَابَهُ، قَدْ قَدَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ وكَتَبَهُ، إِيماناً بِقَولِهِ تَعالَى: ﴿قُلْ لَّنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ]سورة التوبة/51[ .
فِيمَا مَضَى كَانَ يوجد رجلٌ أَقْرَعُ الرَّأْسَ، أَبْرَصُ البَدَنِ، أَعْمَى العَيْنَيْنِ، مَشْلُولُ القَدَمَيْنِ وَاليَدَيْنِ، وَكَانَ يَقُولُ: "الحَمْدُ لله الَّذِي عَافَانِي مِمَّا اِبْتَلَى بِهِ كَثِيرًا مِمَّنْ خَلَقَ وَفَضَّلَنِي تَفْضِيلا" فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: مِمَّ عَافَاكَ؟ أَعْمَى وَأَبْرَصُ وَأَقْرَعُ وَمَشْلُولٌ. فَمِمَّ عَافَاكَ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا رَجُلُ! جَعَلَ لِي لِسَانًا ذاكرًا، وقلبًا شَاكِرًا، وبَدَنًا عَلَى البَلاءِ صَابِرًا!
فَالمُؤْمِنُ يَتَقَلَّبُ بَيْنَ مَقَامِ الشُّكْرِ عَلَى النَّعْماءِ، وَبَينَ مَقَامِ الصَّبْرِ عَلَى البَلاءِ، سُبْحَانَ اللهِ ، أَما إِنَّهُ أُعْطِيَ أَوْسَعَ عَطَاءٍ فقد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "منْ يَسْتعفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، ومَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ منَ الصَّبْرِ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فليستأنسِ المُسْلِمُ بِهَذِهِ المَصَائِبِ وَنَحْوِهَا، ولْيَعْلمْ أَنَّهَا مِنْ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، رَوَى البُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَالَ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ".
اللهمَّ اكفِنا بحلالك عن حرامكَ وأغنِنا بفضلكَ عمَّن سواك، اللهم اجعلنا من عبادك المتواضعين التوابينَ الأوَّابينَ المخلصين، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعوات.