سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن من حق الجار كف الأذى عنه؟


هل تعلم أن من حق الجار كف الأذى عنه؟
الموسم الثالث - الحلقة الواحدة والعشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

فقد قال الله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ الآية [سورة النساء/36]. إنَّ اللهَ جَعَلَ للجارِ حُقوقًا شرعيةً على جيرانِهِ، فإذا قامَ بها المسلمون بينهم سادت الألفةُ والمحبةُ والتعاونُ والتسامح بينهم.
فمن حقوقِ الجار كفُّ الأذى عنه، وهذا الحقُّ واجبٌ على المسلمين. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره". فمؤذي الجار ناقصُ كمال الإيمان، من ابتلي بجارٍ يؤذيه عليه بالصبرِ والاحتسابِ. اللهُ جاعلٌ له من ذلك مخرجا، فتنبه ونبّه جيرانك بالحسنى إلى ترك ما يسبب الإزعاج للجيران.
لقد أمر تبارك وتعالى بحفظ الجار والقيام بحقّه فالجار له حقّ عليكَ بل حقوقٌ، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
حقُّ الجارِ عظيم، ومما يدلُ على أهميةِ حقِّ الجارِ أن اللهَ عظَّمَ الخطيئةَ في حقِّ الجار، ومن أعظم صور الإيذاء إيذاء الجار في أهله لِما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري قال: عن عبد الله رضي الله عنه قال سألت أو سُئل رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك" قلت: ثم أيُّ ؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يَطعم معك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني بحليلة جارك" قال ونزلت هذه الآية تصديقًا لقول رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ﴿والذينَ لا يدعونَ مع اللهِ إلهًا ءاخرَ ولا يقتلون النفسَ التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون﴾ الآية [سورة الفرقان/68]. فقولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : "أَنْ تُزانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ" أيِ الزنا بزوجةِ الجارِ أشدُّ مِنْ الزنا بغيرِها، وفي رواية عن أحمد أنه أشدُّ مِنَ الزنا بغيرِها عَشرَ مراتٍ، ذَنْبُهُ مُضاعَفٌ عشرَ مراتٍ.
ومن صورِ إيذاءِ الجارِ حسَدُهُ ، أو السخريةُ به واحتقارُهُ، أو إشاعةُ أخبارِهِ وأسرارِهِ بين الناس، أو الكذبُ عليه وتنفيرُ الناس منه، أو تتبّعُ عثراتِه والفرحُ بزلاته، أو مضايقتُهُ في المسكنِ ونحوِ ذلك، أو إلقاءُ الأذى عند بابه، أو التطلّعُ إلى عوراتِهِ ومحارمِهِ، أو إزعاجُهُ بالصُّراخِ والأصواتِ المنكرة، أو إيذاؤهُ في أبنائه ونحوُ ذلك . إساءةُ الجوارِ من عاداتِ الجاهليةِ التي بعث اللهُ نبيَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لتغييرِها. يتضحُ هذا من جوابِ جعفر بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه للنجاشي حين سأَلَهُ عن هذا الدين الجديد ، فقال له جعفر : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّة ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ ؛ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَءابَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالكَفِّ عَنِ المَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ المـُحصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَام _فعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلام ـ فَصَدَّقْنَاهُ وَءامَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا. رواه أحمد في مسنده بإسناد حسن .
حُسْنُ العلاقةِ بينَ الجيرانِ تُرْضِي اللهَ عزَّ وجلَّ وَتُسْخِطُ الشّيطانَ، وسُوؤُها يُسْخِطُ اللهَ عزَّ وجلَّ ويُرْضِي الشّيطانَ. فإذا حَسُنَتِ العَلاقةُ بَينَ الجيرانِ وسادَهُمُ الحُبُّ والوِئَامُ سُعِد المجتمعُ كلُّهُ. إنَّ جارَ الخيرِ يَعُودُ خَيرُهُ عليهِ وعلى جيرانِهِ، وجارُ السّوءِ يَعُودُ سوؤهُ عليه.حُسنُ الجوارِ ليسَ بكفِّ أذاكَ عَنْ جيرانِكَ فقط بل بتحمُّلِ أَذاهُم أيضًا، وقَضَاءِ حَوَائِجِهِم، وكَشْفِ كُرَبِهِم.
أخرجَ أبو بكرٍ اللآل في كتابِهِ "مكارمِ الأخلاقِ" أنَّ النبيَّ قالَ: "كنتُ بَيْنَ شَرِّ جارَيْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وأَبِي لَهَبٍ كانا يَرمِيَانِ بِمَا يَخْرُجُ مِنَ النَّاسِ على بابِي" أي أنَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانَ يَتَحَمَّلُ أذاهُما مَعَ أنَّهُ كانَ أشجعَ خَلْقِ اللهِ على الإِطْلاقِ، وقد أُوتِيَ مِنَ القوةِ البدنيةِ قوةَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَمَعَ ذلكَ كانَ العَفْوُ خُلُقَهُ والصَّبْرُ شِيمَتَهُ وَتَحَمُّلُ الأَذَى مِنَ الغَيْرِ حَالَهُ ودَأْبَهُ.
وَقَدْ قَالَ الحَبِيبُ المصْطَفَى: "مَا شَىءٌ أثقلُ في مِيزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ فإنَّ اللهَ تعالى يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ" قالَ التِّرْمِذِيُّ حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ.حُسْنُ الخُلُقِ عِبَارَةٌ عَنْ تَحَمُّلِ أَذى الغيرِ وكفِّ الأذى عَنِ الغيرِ وبَذْلِ المعروفِ.فلا بد من وقفةٍ نراجع فيها أنفسَنا، ونصححَ فيها أحوالنا، ونعملَ على تطبيقِ التوجيهاتِ الشرعيةِ الواردةِ في القيامِ بحقوقِ الجيرانِ والوفاءِ بواجباتِهم والإحسانِ إليهم.
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلكَ حُسْنَ الحال وحُسْنَ الجِوار وحُسْنَ الخِتام وأنْ نَتَخَلَّقَ بالأخْلاقِ الحَميدَة الحَسَنة وأنْ تَجْعَلنَا مِنَ الجيرانِ الصَّالِحينَ الذِينَ مَدَحَهُم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، إنَّكَ على كُلِّ شىءٍ قَدِير.