سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أنَّ إفشاءَ السلامِ مِنَ الأسبابِ التي تبعثُ المحبةَ بينَ الناسِ؟


هل تعلم أنَّ إفشاءَ السلامِ مِنَ الأسبابِ التي تبعثُ المحبةَ بينَ الناسِ؟
الموسم الثالث - الحلقة العشرون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

إنَّ ممَّا شرعَهُ اللهُ تعالى لعِبادِه في دينِ الإسلامِ، ممَّا يغرسُ بينَهمُ المودَّةَ، ويُشِيعُ بينَهمُ المحبَّةَ والألفةَ، ومِنْ أحسنِها وأقلِّها كلفةً إفشاءَ السَّلامِ على الخاصِّ والعامِّ مِنْ أهلِ الإسلامِ، وردَّ التحيَّةِ بمثلِها أو أحسنَ منها؛ مقابلةً للإحسانِ بأفضلَ منهُ، ورعايةً للجميلِ بما هو أكثرُ عائدةً على البادئِ بِه منهُ؛ قالَ تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ الآية [سورة النساء/86].
كما جعَلَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ التسليمَ على المسلمِ عندَ مُلاقَاتِهِ حَقًّا مِنْ حقوقِه، فإذا التَقَى المسلمانِ فخَيْرُهما الذي يَبدَأُ بالسلامِ؛ كما في صحيحِ مسلمٍ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ:"حقُّ المسلمِ على المسلمِ سِتٌّ"، قيلَ ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: "إذا لَقِيْتَهُ فسلِّمْ عليهِ وإذا دعاكَ فأجِبْهُ، وإذا استنصحَكَ فانصَحْ له وإذا عطَسَ فحمِدَ اللهَ فشَمِّتْهُ، وإذا مرِضَ فعُدْهُ، وإذا ماتَ فاتبَعْهُ".
ليسَ المرادُ بالحديثِ حصْرَ حقوقِ المسلمِ في هذه الخصالِ إنما المرادُ بيانُ أهميةِ هذهِ الحقوقِ.
أوَّلُها إذا لقيتَهُ فسلِّمْ عليهِ، فمِنْ حقِّ أخيكَ المسلمِ عليكَ أن تبدأَهُ بالسَّلامِ عندَ لقائِه بقولِكَ: "السَّلامُ عليكُم" وإن شِئتَ زدْتَ: ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، ومعناهُ أنتم في حفْظِ اللهِ أو السَّلامةُ والأمانُ ملازمانِ لكُم.
فالسَّلامُ في واقعِهِ أمانٌ مِنَ المسلِّمِ، ودُعاءٌ بالرحمةِ والسَّلامةِ لِمَن يُسلِّمُ عليهِ، ولذا كانَ إفشاؤُهُ مشروعًا بينَ الكبيرِ والصغيرِ، والأميرِ والمأمورِ، والفاضلِ والمفضولِ؛ طلبًا لإشاعةِ الأمانِ وتحقيقِ الاطمئنانِ بينَ المؤمنينَ والمسلمينَ. إفشاءُ السَّلامِ مِنَ المؤمنِ لأخيهِ المؤمنِ يُوقِظُ في كلٍّ منهما معنى استشعارِ عظمةِ اللهِ الذي شرَع لَهُما هذه التحيةَ لتُزَكّيَ في نفوسِهم ءاياتِ المحبةِ والتعاونِ.
ففي صحيحِ مسلمٍ مِنْ حديثِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ: "والذي نفسي بيدِه لا تدخلونَ الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنونَ حتى تَحابُّوا، ألاَ أدلُّكم على شىءٍ إذا فعلتموهُ تحاببتُم؟ أَفْشُوا السَّلامَ بينَكم". معناهُ الإيمانُ شرطٌ لدخولِ الجنةِ، ولا يَكمُلُ الإيمانُ إلا بالتحابِّ في اللهِ.
ولهذا أيضًا كانَ إفشاءُ السَّلامِ مِنَ الدعائمِ التي أَرسَى عليها النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بُنيَانَ المجتمعِ المسلمِ أوَّلَ مقدِمِه المدينةَ مهاجرًا، كما أخبرَ بذلكَ عبدُ اللهِ بنُ سلامٍ رضيَ اللهُ عنهُ فقالَ: لَمَّا قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ انجَفَلَ الناسُ عنهُ - ذهبوا مسرعين نحوه-، فلمَّا رأيتُ وجهَهُ عَلِمْتُ أنَّه ليسَ بوجْهِ كذَّابٍ، فسمعتُهُ يقولُ: "أفشُوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطَّعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصلُّوا بالليلِ والناسُ نِيامٌ، تَدخُلوا الجنَّةَ بسلامٍ".
وروى البخاريُّ ومسلمٌ أنَّهُ لَمَّا سُئِلَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قال: "تُطعِمُ الطعامَ، وتَقرَأُ السَّلامَ على مَنْ عرَفتَ ومَن لم تَعرِفْ" دلَّ هذا الجديث على أنَّ إفشاءَ السَّلامِ لا يختصُّ بالمسلمِ المعروفِ لدى المسلمِ، بل هو لكلِّ مسلمٍ عرفتَهُ أو لم تعرفْهُ، وحسبُكَ أنَّكَ تظفَرُ مِنْ ذلكَ بحسناتٍ تجدُها ذخرًا ونصيرًا يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.
ومعاني السَّلامِ كلُّها معانٍ جميلةٌ تدلُّ على المودةِ والمحبةِ والوصالِ، ولذلكَ نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن التباغض و التحاسد و نحوها فقالَ:" لا تباغَضُوا، ولا تحاسَدُوا، ولا تدابَرُوا، ولا تقاطَعُوا، وكونُوا عبادَ اللهِ إخوانًا، ولا يحِلُّ للمسلمِ أن يهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ". ومن ءادابِ هذه التحيةِ أن يُسلّمَ الراكبُ على الماشي والماشي على القاعِدِ والقليلُ على الكثير، وكما شُرِعَ السَّلامُ عندَ اللقاءِ فقد شُرِع عندَ الفِراقِ. فسارعوا وأفشوا السَّلامَ بينَكم لعلَّكٰم تُفْلِحُونَ، واعلَمُوا أنَّ السَّلامَ هو تحيّة ءادم و تحية ذرّيته فيما بينهم إلى يوم القيامة؛ ففي الصحيحَينِ: " لَمَّا خلقَ اللهُ ءادمَ قالَ له: اذهَبْ فسلِّمْ على أولئكَ النَّفَرِ من الملائكةِ، وانظُر ما يُحَيُّونَكَ بهِ، فإنَّها تحيَّتُكَ وتحيَّةُ ذريَّتِكَ فذهبَ فقال: السَّلامُ عليكم، فقالوا: السَّلامُ عليكَ ورحمةُ اللهِ، فزادُوهُ: ورحمةُ الله".
فما أحوَجَنا إلى المحافظةِ على هذه المعاني، من إفشاءٍ للسَّلامِ، وإطعامٍ للطعامِ، وصلةٍ للأرحامِ، والتمسكِ بها، وغرسِها في نفوسِ أولادِنا وأرحامِنا، حتى يتوارثُوا المحبةَ بينَهُم كما وَرِثْنَاها عن ءابائِنا وأجدادِنا.
فنسألُ اللهَ سبحاَنهُ وتعالى أن يجعلَنا مِمَّنْ يُفْشُونَ السَّلامَ، ويُطعمونَ الطعامَ، ويَصِلُونَ الأرحامَ، ويُصلّونَ بالليلِ والناسُ نيامٌ.