سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن القول الحسن والكلم الطيب من أعظم أسباب كثرة الحسنات ورفعة الدرجات؟


هل تعلم أن القول الحسن والكلم الطيب من أعظم أسباب كثرة الحسنات ورفعة الدرجات؟
الموسم الثالث - الحلقة الثانية
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

أما بعد فاعلم أن القول الحسن والكلم الطيب من أعظم أسباب كثرة الحسنات ورفعة الدرجات وحط السيئات وعلو المنزلة عند رب الأرض والسموات ولذا كثر في القرءان والسنة ذكر فضائلها وحسن عواقبها ولقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بذلك في غير ما ءايةٍ من كتابه الكريم إرشادًا إلى موجبات الفلاح والإسعاد قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ [البقرة/ 83].
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ" الصدقة لا تختص بالمال، بل كل ما يقرب إلى الله فهو صدقة وبها يكون اجتماع الكلمة، وتآلف القلوب.
الصّدقةُ أحيانًا تُخَلّصُ صَاحبَها من دخُولِ النّار إنْ كانَ مِن أهلِ الكبائر أليسَ قال الرسول صلى الله عليه وسلم "اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة فإن لم تجد فبكلمة طيبة" رواه البخاري وغيره.
إن عظماء الرجال يلتزمون في جميع أحوالهم بأن لا تخرج من ألسنتهم لفظة نابية، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر وخاتم النبيين والمرسلين الأسوة الحسنة، والقدوة الطيبة، فلقد كان كثير الصمت وإذا تكلم لا يتكلم عن هوى ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)﴾ إذا نطق لا ينطق إلا خيرًا ولا يقول إلا طيبًا وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾ فاطر. فلنحفظ ألسنتنا عما يغضب الآخرين ويغضب الله.
﴿الْكَلِمُ الطَّيّبُ﴾ هُوَ ككلمةِ لا إلهَ إلا اللهُ ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ﴾ يشمَلُ كلَّ عملٍ صالحٍ يُتَقَرَّبُ بهِ إلى اللهِ، أيْ يَعْمَلُهُ المسلِمُ لأجْلِ الأجْرِ والثَّوابِ مِنَ اللهِ كالصَّلاةِ والصَّدَقَةِ وصلَةِ الأرحامِ. فَمَعنى ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ أنَّ كلَّ ذلكَ من ذِكْرٍ للهِ تعالى والأعمالِ الصالحةِ كالصلاةِ والصَّدَقةِ وصِلَةِ الرحمِ ترفع إلى محل كرامة الله وهي السماء وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أي يَتَقَبَّلُهُ اللهُ. وليسَ معنى الآيةِ ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ أنَّ اللهَ لَهُ حَيّزٌ يَتَحَيَّزُ فيهِ يسْكُنُهُ، ليسَ معناها أنَّ اللهَ في جِهَةِ فوق يسكنُ في السماءِ، تَنَزَّهَ اللهُ عَنْ ذلكَ.
ومن بيان النبي صلى الله عليه وسلم بشأن الكلم الطيب وحسن عاقبته على أهله في العاجلة والآجلة ما ورد في صحيحِ ابنِ حِبَّان مِنْ حديثِ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قالَ: يا رسولَ اللهِ دُلَني على عَمَلٍ إذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجنَّةَ فَقَالَ: أَطْعِمِ الطَّعامَ، وَصِلِ الأَرْحَامَ، وَصَلّ باللَّيْلِ والنَّاسُ نِيامٌ، تَدْخُلِ الجنَّةَ بِسَلامٍ" ورواه أحمد بلفظ "أفش السلام، وأطب الكلام، وصل الأرحام، وصل بالليل والناس نيام تدخل الجنة بسلام" الرسول عليه الصلاة والسلام ذكَرَ في هذا الحديثِ أنّ من أخذَ بهذِه الخصال دخلَ الجنةَ بدون عذابٍ.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويعجبني الفأل، قيل وما الفأل؟ قال الكلمة الطيبة" متفق عليه. البشر تجذبهم الكلمة الطيبة وينفرهم التوبيخ والتقريع.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ". معنى هذا الحديث أنه من كان يؤمن الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله الموصل إلى رضوان الله فليقل خيراً أو ليصمت لأن من ءامن بالله حقاً خاف وعيده ورجا ثوابه واجتهد في فعلِ ما أمره به وتركِ ما نهاه عنه، ومن ذلك ضبط جوارحه التي هي رعاياه وهو مسئول عنها كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (36)﴾ سورة الإسراء.
وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الكلام أفضل؟ قال: "ما اصطفاه الله لملائكته سبحان الله وبحمده" رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر. إن قال المسلم سبحان الله وبحمده تغرس له في الجنة شجرة ساقها من ذهب. الشجر الذي يكون في الجنة لا يموت، يبقى على الدوام. الشجرة تعطيه ثمرة لونها لا يفسد، الذكر فيه نفع كبير للآخرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غُرفًا يُرى ظهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، فقال أبو موسى: لِمن هي يا رسول الله؟ قال: لِمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وبات لله قائمًا والناس نيام" رواه أحمد وغيره.
فإذا تكلم المرء فليقل خيراً وليعود لسانه على جميل القول، فإن التعبير الحسن عما يجول في النفس أدب عال.
فعودوا أنفسكم حسن القول وطيب الكلم تنالوا الفلاح وتتقوا الشقوة والغرم في الدارين، وبهما تشيع المودة والمحبة ويحصل بها التعاون على الخير والبر والمرحمة وبهما تسد منافذ الشيطان وتتقى شرور أهل الشر من الإنس والجن وبهما تتضاعف المثوبة وتكفر الخطيئة وترفع الدرجة. بالكلمة الطيبة والقول الحسن ينال رضى الرحمن وتحصل الغرفة العلية في الجنان فهما جماع الخير في الدنيا والآخرة وتقاة من الشر في العاجلة والآجلة ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾[14] الآيات.